نوفمبر 22, 2024
النظام

اسم الكاتب : عدنان فرج الساعدي

إنّ الإسلام نظّم الحياة البشريّة في مختلف ميادينها الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة. وقد بُنِي ديننا كلُّه على النظام، فالنظام هو محور حياة المسلم، بل الكون كلُّه يسير في نظام: البشر، الكائنات، الليل والنهار، السماء، الفلَك…
خلق الله عزّ وجلّ هذا الكون على أساس منظّم، فوضع كلّ شيء في موضعه، وجعل له مهمّة، عليه أن يؤدّيها في هذه الدنيا، قال الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * 
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ* 
لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾1،
.
واليوم عندما نرى التلميذ يذهب الى المدرسة فإنه سيلزم باتباع النظام المدرسي ومتى ما رفض ذلك فإنه سيعرض نفسه للتوبيخ اوالمحاسبة وكذلك إذا ماذهب الى الأماكن العامة كالمتنزهات والملاعب والمسارح اوالمجمعات والمكتبات بل حتى السير في الشارع يلزمه باتباع تعليمات وأنظمة المرور والالتزام بالقوانين والنظام ليس سهلاً الطفل لانه لا يحب ما يكتف حريته ويقيد حركته أو يضبط سلوكه فهو يحب أن يلعب متى ما أراد، ويأكل متى ما جاع، ويصعب عليه ان يلتزم بالقوانين والأنظمة إذا كان قادماً من منزل ليس فيه قوانين تحكمه أو نظام يسيره او انه يوجد فيه نظم وقوانين ولكنها من السهل كسرها أو تخطيها وهو ما نطلق عليه التربية
إن وضع القوانين والتعليمات داخل الأسرة يجعل الأبناء يعرفون ما هو مطلوب منهم ويعرفون كيف يتبعون السلوك المرغوب فيه ويبتعدون عن السلوك غير المرغوب فيه وبالتالي تسهل عملية التعديل لبعض السلوكيات غير الاجتماعية كما تسهل عملية التكيف داخل الدار الأخرى وهي المدرسة
ان ثقافة تطبيق النظام مهمة جداً وهي تأتي من خلال الاسرة بالدرجة الاولى لذا ينبغي إشراك جميع أفراد الأسرة في صياغة القوانين والقرارات العائلية بعد أن يكون القرار الأول لإيجادها يخصُّ الأبوين ثم تتم مناقشة القوانين سويا.
وهكذا يجب على الانسان وخصوصاً في المجتمع المتدين او الملتزم أن ينظم أموره وشؤونه. وهذا يحتاج إلى اهتمام كبار المجتمع بوضعه، لأن أفراد المجتمع يحترمون كبار المجتمع ووجهاءه المهتمين بأمره، كما أنهم فيما بينهم يحترمون بعضهم البعض ويتعاونون في نظام من أجل خدمة المجتمع، أمّا إذا فقد الاحترام بين الجميع وصارت أمور الناس بلا ترتيب وبلا نظام، ساد التخلف، وعمت الفرقة والاختلاف، وأصبح كلٌّ رأسٌ يعتد بنفسه. قومي رؤوس كلهم *** أرأيت مزرعة البصل
ولكل مجتمع ظروفه الخاصة، ويجب أن يرتب شؤونه الدينية والاجتماعية والاقتصادية ضمن الظروف التي يعيشها. وهذا ما يربينا عليه ديننا وينشئنا عليه. إذن الالتزام والعمل الجاد في خدمة المجتمع من خلال الالتزام بثقافة الحقوق والواجبات نراه مهم جداً وحتى المرجعية الدينية سبق لها ان اشارت في خطب وقتاوى على ضرورة الترشيد والاقتصاد وما الى ذلك
الشيخ عبد المهدي الكربلائي قال في مقابلة سابقة مع وزير الكهرباء إن” ترشيد استهلاك الكهرباء ذات بعد ديني وشرعي”، ونحث الناس على “الالتزام بالفتوى وترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية”. وهذا ما أمرتنا به تعاليم أئمتنا عليهم السلام، فهي تأمرنا بالتعاون، والتواصل، وأن نهتم بشؤون بعضنا البعض. وخدمة بعضنا البعض ففي آخر وصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قبيل وفاته قال:«أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أموركم.. الوصية الثانية التي يوجهها الإمام بعد تقوى الله هي «ونظم أموركم» أن تكون أموركم مرتبة وليست عفوية وارتجالية وفوضوية؛ لأن ذلك يخالف ما يقوله أئمتنا عليهم السلام. وكان أئمتنا سلام الله عليهم في حياتهم يراعون هذا الجانب. ترى حياة كل إمام من الأئمة قطعة من النظام والالتزام بأوامر الله سبحانه وتعالى وبالاستفادة من مختلف الفرص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *