من الرق الى السلطة..!

الكاتب : ناجح صالح
—————————————
من الرق الى السلطة
ما أكثر الجواري في قصر الخلافة ! وما أكثر من نالت الحظوة عند الخليفة بظرفها ودلالها وإجادتها الغناء ! لقد كان مقام الجارية يعلو ويكبر كلما أحسنت التعامل مع سيدها ليكون لها شأن وأي شأن . وقد هيأت الأقدار في هذا العصر أن يكون للجواري أولاد اعتلوا عرش الخلافة لتكون المنافسة على أشدها بين أبناء الحرائر وأبناء الجواري …فيا له من عصر مليء بالمفاجئات ؛ وكم شهد قصر الخلافة من دسائس ومؤامرات على يد الحاشية والجواري ! وكم لعب الساسة لعبتهم في تقرير مصير الدولة ليتسلط عليها ابن جارية ويتألم ابن حرة ! لقد كانت أم المامون فارسية وكانت ام المعتصم تركية مما حدا بالعناصر الفارسية والتركية أن تلعب دورا اساسيا في دفة الحكم في وقت أضعف الترف هيبة الحكم كما أن نساء القصر كانت لهن الكلمة المسموعة. اجتمعت هذه العوامل لتكون مقدمة في انهيار الدولة العباسية . في انتقالة سريعة الى الدولة العثمانية نرى أن الحروب قد أنهكتها من جهة كما أن جواري السلاطين في القصر انهكتها من جهة أخرى ..وبذلك ضعفت الدولة . إن الصراع بلغ أوجه في هذا العصر بين أبناء السلطان بتحريض من أمهاتهم ؛ كل منهن تسعى لكسب الجولة على حساب دم أخوته . إن السلاطين المتأخرين من العثمانيين تمادوا في شهواتهم ؛ ومع ذلك كانوا يبطشون بأبنائهم اذا اقتضى الأمر دون أن تأخذهم رحمة . إنه الصراع من أجل أرضاء الأمهات …الأمهات الجواري اللواتي اصبح لهن شأن كبير في قصر السلطان . فإذا انتقلنا إلى عصر المماليك في مصر نرى انةهؤلاء المماليك قد قيض لهم أن يكونوا ولاة وحكاما بعد أن كانوا خدما مملوكين ؛ وقد هيأت لهم الأقدار أن يلعبوا دورا تاريخيا في محاربة المغول والصليبيين معا ؛ ولعل الظاهر بيبرس خير مثال على ما نقول . الا أن ضعفهم فيما بعد آدى بهم الى زوال سلطتهم على أيدي الفرنسيين عام ١٧٩٨ أما في العراق فقد استقل المماليك عن العثمانيين فترة من الزمن لتكون لهم السلطة وقبضوا على زمام الأمور بيد من حديد وهم الذين كانوا اصلا مملوكين للولاة العثمانيين . وبعدما ألغي الرق في العصر الحديث بحركة أو بأخرى من حركات التاريخ ومسيرته أصبح الإنسان عبدا في اعماق نفسه لشهواته وأطماعه . وهكذا بدأ فصل جديد من فصول الرق يتحول من معناه التقليدي المألوف الى استسلام وخضوع تحت وطأة الرغبة في التسلط والاستبداد ؛ ترى كم منهم يتعجل لتسلق السلم بخطوة واحدة ليجلس المجلس الذي يسيل له لعابه ثم ليطغى ؟ إنها العقدة المستعصية التي تطاردهم ليل نهار ؛ عقدة عبودية الذات يريدون بها الإنتقام فحسب ؛ فيا لها من عبودية تقتل في النفس طهارتها ثم لتكون منزلقا الى الهاوية . إن رق النفوس أخطر من رق الأجساد لا سيما إذا تغلغل في قلب السلطة ليطعن طعنات الغدر والخيانة لكل جميل . إن الإنتقالة السريعة من الرق الى السلطة تفعل فعلها لتكون النتائج مهلكة مدمرة ؛ فهل من وقفة جريئة نرى فيها الحقيقة كما هي ؟