الخصائص المعيارية للشخصية العراقية : مدخل تمهيدي

ثامر عباس

من بديهيات القول ان لكل مجتمع من المجتمعات البشرية – السابقة واللاحقة – (خصائص معيارية) هي له بمثابة (الهوية) الحضارية التي تعكس طبيعته النوعية وتجسّد خصوصيته الفريدة ، بحيث يتعذر علينا المماثلة بين مجتمعين أو أكثر حتى ولو كانت عناصر (الجغرافيا) وأصول (التاريخ) ومصادر (الثقافة) ومنابع (الدين) تشكل قواسم مشتركة بينهما ، كما في حالة المجتمعات العربية ، على سبيل المثال لا الحصر ، التي وإن كانت تجمعها وتوحدها نفس القواسم المشتركة (المفترضة) ، إلاّ أنها لا تلبث أن تتفرق وتتنوع على صعيد كينونة تلك الخصائص المعيارية التي يتميّز كل مجتمع من تلك المجتمعات . هذا ناهيك بالطبع عن استحالة العثور على مجتمعين مختلفين في ذات العناصر والأصول والمصادر والمنابع ، يمكن اعتبارهما متشابهان ومتماثلان على صعيد نفس الخصائص المذكورة .
ولعل من أهم أسباب هذه الاختلافات والتباينات في (الخصائص المعيارية) ناجم عن انتهاج كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية مسار حضاري (خاص) به ومقتصر عليه ، ليس لأنه أختار هذا المسار ورغب الانخراط في أتونه بمحض إرادته كما قد يعتقد البعض ، وإنما لأن البيئات الايكولوجية والسياقات التاريخية والأوضاع الاجتماعية والظروف الاقتصادية التي وجد في إطارها وضمن شروطها ، هي التي حتمت عليه ضرورات (التكيف) السيكولوجي و(التلائم) السوسيولوجي بما ينسجم مع تلك الشروط وهذه المعطيات . والحال ان درجة تأثير هذه الأخيرة (الشروط والمعطيات) على طبيعة تكوين الخصائص المعيار للشخصية الاجتماعية ، تتناسب طرديا”مع فترات (التقادم التاريخي) وحصائل (التراكم الحضاري) للمجتمع المعني . بمعنى أنه كلما كان وجود المجتمع (أسبق) في التاريخ و(أعمق) في الحضارة ، كلما ترسخت تلك الخصائص وتكرست في البنى التحتية لتلك الشخصية ، بحيث تستحيل الى ما يشبه النوابض المحركة والمجسات الموجهة لتلك الشخصية . وهو ما يشهد عليه نمط (الشخصية العراقية) التي تتمتع بخصائص معيارية وصفات نوعية يتعذر إيجاد ما يماثلها لدى الشخصيات الأخرى ، قد تتشارك في بعضها مع سواها من الشخصيات الاجتماعية ، إلاّ أنه لا يمكن العثور عليها مجتمعة في شخصية أخرى عدا الشخصية العراقية ! .
ولغرض الوقوف على ماهية تلك الخصائص المعيارية التي توفرت عليها الشخصية العراقية مقارنة بغيرها من الشخصيات الاجتماعية الأخرى ، سواء تلك التي تشترك معها في (القواسم) التي سبق ذكرها (العربية) ، أو تلك التي تختلف معها في نفس القواسم (الأجنبية) ، فقد ارتأينا القيام باستعراض موجز ومقتضب لتلك الخصائص ، مع تعمد الإعراض عن أي نوع من أنواع (المفاضلة) بين طبيعتها لجهة (الأولوية) في الحضور و(الأقدمية) في التأثير . أي بمعنى عدم التزامنا بوضع تسلسل تدرجي (تفضيلي) يعكس حجم حضورها في السلوك ومدى تأثيرها في الوعي ، وإنما تركنا مسألة ورودها بصيغتها الحالية على نحو تلقائي لم يكن مقصودا”أو مخطط له مسبقا”. وذلك من منطلق حقيقة أن الشخصية العراقية حين تمارس نشاطها الاجتماعي ، وتظهر وعيها التاريخي ، وتعكس مخزونها الثقافي ، وتجسّد سلوكها الحضاري . لا تشرع بهذه الأنشطة والممارسات بدافع خاصية معنية دون سواها أو تستجيب لوازع محدد دون غيره ، وإنما يحصل إدراكها للواقع ويأتي انخراطها في المجتمع كحاصل تأثير تلك الخصائص المتخادمة مجتمعه .
وإذا كنا قد توصلنا الى إحصاء / حصر خمسة (خصائص معيارية) أساسية تميّزت بها الشخصية العراقية وتفوقت فيها على سواها من الشخصيات الأخرى ، فهذا لا يعني بتاتا”إننا توصلنا الى (القول الفصل) الذي لا يمكن معه رصد وتشخيص خصائص أخرى يمكن نسبتها الى هذه الشخصية . ولكننا آثرنا إبراز أكثرها حضورا”في السلوك وأشدها تأثيرا”في الوعي كما أسلفنا ، مع الإشارة الى إننا خصصنا لكل خاصية من هذه الخصائص المعيارية حلقة خاصة بها ومقتصرة عليها ، نستعرض من خلالها مصادر التكوين وأسباب الصيرورة ودواعي الاستمرار على النحو التالي :
أولا”- الخاصية الاستعراضية (الهنبلة) : التفاخر بالأنساب والتنابز بالألقاب
ثانيا”- الخاصية الاتكالية (اللاأبالية) : الحاجة الدائمة الى منقذ أو مخلّص
ثالثا”- الخاصية النكوصية (الارتدادية) : الماضي يأسر الحاضر ويؤطر المستقبل
رابعا”- الخاصية المزاجية (اللامبدئية) : سهولة التحول الإيديولوجي من النقيض الى النقيض
خامسا”- الخاصية الانشطارية (اللامعيارية) : تعدد الانتماءات وتنوع الولاءات