الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في منتدى جامع الأئمة في خطب الجمعة للسيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: نستمر الآن في شرح خطبة الحسين سلام الله عليه. قال عليه السلام: (لن تشذ عن رسول الله لحمته)، عبر هنا بضمير الغائب، لحمته، ولم يقل لحمتي، عبر هنا بضمير الغائب، الا ان الظاهر انه يريد نفسه يريد ضمير المتكلم، الا انه ابدله بضمير الغائب حتى لا يكون مدحا للنفس وثناءاً عليها، فيكون المراد لن تشذ عن رسول الله لحمتنا كما قال: رضا الله رضانا اهل البيت واللُحمة من الالتحام وهو الاتصال، والشذوذ هو الابتعاد، إما التحم وإما شذَّ، فاللحمة هي الالتحام، والشذوذ هو الابتعاد، والشاذ هو المبتعد ونعبر بالشاذَّ عن كل ما هو غير طبيعي، لأنه مبتعد عن المستوى الطبيعي، فيكون المراد أنه لن تبتعد عن رسول الله لحمته، او قل لن يبتعد عن رسول الله قربه والتحامه ولصوقه. وقوله : لن تشذ للتأبيد، لن يعني، لن الى الأبد بهذا المعنى وانها ستبقى ملتحمة ولن تبتعد اطلاقا الى ما لا نهاية، او يكون المراد الاشارة الى الشأنية يعني ليس من شأنها ان تبتعد وغير قابلة للابتعاد اصلا، وما ليس من الشأن يكون مستحيلا أو بمنزلة المستحيل. وما البلاء الدنيوي، من قبيل اعطاء فرصة لعلهم يتفكرون، لعلهم يتذكرون، لعلهم يتوبون، لعلهم يؤبون، لعلهم ينوبون، أما الله تعالى، يواجه منا أذُنا غير صاغية، أُذُنا صماء فهل هذا مما يحمد عقباه، انما كل واحد بحسابه وكتابه فـ “اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” (ال عمران 105). ثم يقول سلام الله عليه: (بل هي مجموعة له في حضيرة القدس)، لن تشذ وانما هي مجموعة ومرتبة ومركبة له في حضيرة القدس، قوله، بل هي، يعني اللحمة مجموعة له لأنه يجتمع برسول الله صلى الله عليه واله، وأمير المؤمنين وأمه فاطمة الزهراء عليهم افضل الصلاة والسلام، يعني بأرواحهم العليا وليس بأجسامهم الدنيوية بطبيعة الحال، يعني بأرواحهم العليا في حضيرة القدس كما قال في نفس الخطبة: (وما أولهني الى أسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف)، وإنما هو واله الى تلك الارواح العليا والمقامات السامية وليس إلى الوجودات الدنيوية بطبيعة الحال على أنها مقدسة جدا وأقدس ما هو موجود على وجه الأرض، لكن طبعا تلك المقامات أقدس منها اكيدا بما لا يقاس وما لا يتناهى . وحضيرة القدس مرتبة من المراتب الالهية العالية جدا لا يمكن ان نتوصل الى تعريفها او معرفتها.
قال الله تعالى “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران 169) يقول الإمام الحسين عليه السلام : (أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلاّ استعبر) (كامل الزيارات: 215). عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: خرج أمير المؤمنين علي عليه السلام يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين تقدم بين أيديهم حتى صار بمصارع الشهداء، ثم قال: (قبض فيها مائتا نبي ومائتا وصي ومائتا سبط كلهم شهداء باتباعهم)، فطاف بها على بغلته خارجاً رجله من الركاب، فأنشأ يقول: مناخ ركاب ومصارع شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من أتى بعدهم.
جاء في في موقع منتدى جامع الائمة عن خطبة الجمعة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: في هذه الخطبة اريد ان أتعرض لخطبة الحسين سلام الله عليه في المدينة : (خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخِير لي مصرع انا لاقيه الى آخره، الى ان يقول : رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين) خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وهذا بالمقدار الذي اراد بيانه، والا فالأمر اوسع من ذلك لأنه في القرآن يقول: “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” (ال عمران 185)، يعني من انسان وحيوان وجن وملائكة كلهم يموتون، اليس سمعتم في الرواية ان اهل الارض يموتون وان اهل السماء لا يبقون، والملائكة والجن ايضا لهم نفوس والقاعدة القرآنية تعطينا شنو، كل (نفس ذائقة الموت)، في حين ان الحسين سلام الله عليه، يقول : خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، يعني يتكلم عن خصوص البشرية ولا يتكلم عن غيرها، ليس معناه انه غيرهم لا يموت لا، بس مقصوده، هو التعرض الى خصوص البشرية التي هو منها والسامعين منها وهذا يكفي . كما ان مخط القلادة على جيد الفتاة أمر تقريبي وتعبير ادبي، وإلا فهو ليس بأمر دائم، لان كثيرا من النساء لا يلبسن القلائد لفقر او غيره مع ان الموت عام للجميع، إلا أن يراد موضع القلادة يعني أسفل الرقبة فيكون ملازما مع خلقة الإنسان كملازمة الموت له . وذكر الموت نافع في الهمة لطاعة الله تعالى والإعراض عن الدنيا لأن الدار الموقتة لا تكون مهمة، وما هي الدار المؤقتة، الدنيا، وما هي الدار الباقية، طبعا الاخرة اكيدا، يعني معناه ان نسبة الواحد الى ما لا نهاية نسبة الصفر كأن الدنيا لا وجود لها وان توهمنا لها وجود، ونحن انما نهتم بأمر لا اهمية فيه، قال أمير المؤمنين سلام الله عليه، لو جدتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز، انت شوف بحدسك الآن كل واحد يرجع الى نفسه، عفطة العنز ما قيمتها، دون الصفر قيمة عفطة العنزة، قيمتها سلبية لو أمكن وليست ايجابية اصلا ولا فلس، وانما مليون دينار تحت الصفر يعني بمعنى انني اعطي فلوس في سبيل أن لا تعفط العنزة، إذن يكون اعطي فلوس في سبيل ان اتخلص من الدنيا، أزهد عندي من عفطة عنز أحقر من عفطة العنز، ليس مثلها، اقل، محل الشاهد اننا نتكالب ونتقاتل على شيء خالي من الاهمية بالمرة.
قال الله عز وجل “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” (آل عمران 169) جاء في صفحة العتبة الحسينية المقدسة: لو استقرأنا النصوص التاريخية لأحداث الطف لوجدنا أن أصحاب الحسين كانوا يمثلون طليعة فرسان الإسلام وأبطاله الأفذاذ ولوجدنا كذلك أن هذه الثلة النادرة والنخبة الواعية لا يمكن أن تتوفر في أي زمان وفي أي مكان, بل عقم عن إنجاب مثلها الزمان والمكان. وصف رجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد عن مواقف أصحاب الحسين عليه السلام في ذلك اليوم فقال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً وتلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية).