اسم الكاتب : رياض سعد
ان اردت ان تنتقد شيء فيلزمك الالمام به , والاحاطة بكل جوانبه وخفاياه , فيجب علينا ان لا نطلق التهم الجزاف والاحكام الجاهزة والعناوين المفبركة دون مراعاة الجوانب والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية … الخ .
ما أساءني هو ترديد هذه الجملة التي تستخدمها بعض المنصات والمواقع الالكترونية والصحف والفضائيات العراقية المنكوسة والعربية الطائفية : ((الشيعة مو مال حكم )) وتداولها بين الاوساط الاجتماعية والاعلامية العراقية والعربية , ثم إن اصحاب هذه المواقع والمنصات والفضائيات يرسلون الدعايات وينشرون الاشاعات ويفبركون الاحداث ويصنعون المسرحيات … ؛ ويرسلوها ارسال الحقائق و المسلمات التي لا سبيل لدحضها ؛ وعندما يرصدون انجازات حكومية هنا او هناك ؛ يغضون الطرف ويفقدون افواههم ويغرقون في بحر من الصمت , وكأن على رؤوسهم الطير ؛ وان اجبرتهم الضغوط الاجتماعية والاصوات الوطنية على الحديث , ولكي يظهروا بمظهر الحيادية والمهنية والموضوعية ؛ تكلموا همسا , واشاروا اليها لمزا وغمزا … .
والاصرار على سلوك هذا النهج المنكوس في التعاطي مع الاحداث والوقائع والشخصيات العراقية والشيعية ؛ يكشف لنا حقيقة هؤلاء الاعداء والعملاء والدخلاء والغرباء الذين يعملون جاهدين على تشويه الحقائق وقلب الوقائع رأسا على عقب , وبث الشائعات والدعايات , والمبالغة في تضخيم الاحداث والغلو في الادعاءات ؛ لخدمة فكر إيديولوجي طائفي وعنصري منغلق ومتخشب … ؛ فمن غير المعقول والمنطقي الادعاء بكون الشيعة هم اصحاب القرار الاوحد في العراق ؛ او انهم يتمتعون بالحكم المركزي القوي كما هو الحال في عهد صدام سابقا , او كما هو الحال في حكم البرزاني لأربيل ودهوك حاليا .
ما ذنب الشيعة ان ارادت قوى الاستعمار والاستكبار ؛ للعملية السياسية ان تكون بهذا الشكل الهجين والمشوه والمشلول والضعيف …؟!
منذ البداية اراد الامريكان للتجربة السياسية الجديدة في العراق ان تكون بهذه الصورة المقلوبة والصيغة المنكوسة ؛ والتي لا تسمح للأغلبية العراقية بالسيطرة على مقاليد الحكم في العراق ؛ واتخاذ القرارات بمفردهم وبمعزل عن باقي مكونات الامة العراقية … ؛ وعليه ليس من الانصاف ان نصف الشيعة بالفشل او انهم ليسوا اهلا للحكم ؛ فأن كان هنالك فشل فالكل يتحمل مسؤولية ذاك الفشل واولهم الامريكان والبريطانيين بالإضافة الى الكرد والسنة وغيرهما … .
الشيعة لم يحكموا العراق حكما مطلقا كي يفشلوا ؛ واليكم مثالا يوضح المطلب : لو أوكل احد الاشخاص بناء عمارة سكنية تتكون من عشرة طوابق ؛ لسبعة من المهندسين … ؛ وبعد الشروع في العمل لبرهة من الزمن … ؛ توقف العمل ولم يكتمل بناء العمارة ذات الطوابق العشرة ؛ عندها ماذا تتصور ردة فعل صاحب العمارة … ؛ هل يحمل المهندس الفلاني المسؤولية دون الاخرين ؛ ويعفي الستة الباقين من تبعات توقف العمل وما ترتب عليه ؛ ام ان الجميع مشتركون بالمسؤولية القانونية والاخلاقية امامه …؟!
ولو اجبتم بجواز تحميل ذلك المهندس المسكين تبعات توقف العمل لوحده ؛ لما قلتم الحق ولجانبكم الصواب والصدق … .
و عليه : كيف يصح اطلاق هذه العناوين والألقاب على الشيعة وهم براء من كافة القرارات المصيرية والكبيرة التي تمت بضغوط امريكية وغربية واقليمية وبمشاركة الجميع من دون استثناء … , وهل يصح تحميل الشيعة تبعات وتداعيات خراب ودمار فترة الحكم البعثي الصدامي والحكومات العراقية الطائفية السنية المتعاقبة … ؛ ولو اجزت هذا ؛ فمن الحق البعض اطلاق عنوان : ( حكم السنة والمجاعة ) على عقود حكم الحكومات السنية الطويلة والتي استمرت 83 عام تقريبا ؛ اذ لو اردنا الحق وتحرينا الصدق وطلبنا اجراء المقارنة العادلة بين الحكمين وبينا مزايا وسلبيات وايجابيات كلا منهما ؛ لوجب علينا اعطاء الشيعة فرصة في الحكم كالتي حصل عليها السنة والذين حكموا العراق فيها ولمدة 83 عام تقريبا ؛ بحكم مركزي ومطلق ولم يشاركهم في القرار المصيري احد ,و كانوا مدعومون من اغلب الدول العربية والاسلامية والعالمية … ؛ ثم نقيم مسيرة العهدين بعدها .
الكل يعلم بان الشيعة لم يأخذوا الوقت الكافي والمساحة الكافية في ادارة العراق ؛ فضلا عن الهجمات الارهابية الشرسة والعمليات الدموية الواسعة والمدعومة عالميا واقليما ومحليا ضد العراق والتجربة السياسية الجديدة والتي شارك فيها عناصر اجرامية متمرسة من اكثر من 83 جنسية عالمية , ولكي يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود ؛ لابد لنا من الاقرار بوجود قوى اخرى مدعومة امريكيا ودوليا واقليما تعمل بالضد من الساسة الشيعة وتعرقل كل القرارات التي من شانها النهوض بالواقع العراقي ولاسيما فيما يتعلق منها بمحافظات الوسط والجنوب … ؛ ولعل مقولة المنكوس سعد البزاز الشهيرة تكشف لنا حقيقة الامر ؛ اذ قال : (( هاي مو دولتنه ولازم نخربهه )) , بالإضافة الى سيطرة الامريكان على مفاصل الدولة وبعض الوحدات العسكرية والاجهزة الامنية , وتغلغل عناصر الدولة العميقة في المشهد السياسي … ؛ فلا مجال إذن للحكم على الشيعة بهده الصيغة التقريرية الجاهزة .
وكل هذه الصفقات الفاسدة والقرارات الخاطئة والازمات والانتكاسات المتوالية لا يتحمل جريرتها الاحزاب والحركات الاسلامية والشيعية وحدها … ؛ فمخطئ من يحسبها على الأحزاب الإسلامية والشيعية العراقية فحسب ، لاسيما وان بعض تلك الاحزاب التي تتدعي الاسلاميوية والشيعية عبارة عن كيانات هلامية مطاطية , تغشى مواقفها كثيرا من الضبابية , والابتعاد عن التقيد والالتزام بالفكر الإسلامي والشيعي ، وقد أبانت هذه المرحلة عن تنكرها لكثير من مبادئها التي اكتسبت بها جواز المرور الى الدخول في العملية السياسية والزعامة الشعبية والشيعية … ؛ لذا لا ينبغي عدها مثالا حقيقيا للفكر الديني الاسلامي او الشيعي الجماهيري … ؛ علما ان الشيعة تعني الاغلبية العراقية الاصيلة وهذه بدورها تمثل العراق العظيم ؛ والعراق والتشيع العراقي اكبر من هذه الاحزاب والحركات والشخصيات ؛ فالشيعة لا تنحصر بهذا او ذاك ؛ والتشيع لا يمثله فلان او علان ؛ فالأمر اكبر بكثير من حجم الادعياء وبعض الزعماء .
فكونوا موضوعيين وكفوا عن ازدواجية الخطاب وتبدل الادوار ؛ والصاق كل التهم والاخفاقات بالأغلبية العراقية الاصيلة ؛ واعترفوا بأخطائكم التاريخية ومجازركم وجرائمكم ضد العراق والامة العراقية , ومشاركتكم الحالية ؛ فالاعتراف بالخطأ فضيلة .