رياض سعد
يقظةٌ بعد ذهاب العمر و فوات الاوان
حدث ذات خلاء…؛ أن تسللت نارٌ غير مرئية إلى روحي … ؛ لا لتحرقني…, بل لتضيء زواياي المظلمة … ؛ فقد سرتْ بي كما يسري الدم في شرايين الادميين … , وكما تقشعر ابدان العارفين من رسائل واشارات رب العالمين …
أيقظتني من غفوةٍ كنت أظنها يقظة … ؛ فإذا أنا… لأول مرة أرى نفسي…
تبدلت حالتي…؛ كأنني أعبر من موتٍ إلى حياة، أو من حياةٍ إلى موتٍ… لا أدري... !
أعيش قلقًا مطمئنًّا … ؛ وأطمئنُ وأنا على حافة الهاوية … ؛ وأحزن… وفي القلب وردةُ ضوء … ؛ و أبتسم… والدمعة تعبر وجهي كأنها تعترف لا تعتذر!
يا إلهي … ؛ قالوا : إن النقيض لا يجاور نقيضه … ؛ وأن الأبيض لا يحتمل الأسود، وأن النور يطرد الظلمة… ؛ لكنني الآن أعيش في بقعة رمادية … ؛ جميلة، غامضة، صادقة … ؛ بقعة يتصافح فيها الضدان ويتهامسان.
كيف اجتمعت النواقض في روحي؟
كيف ضمَّني هذا التنوع؟
منذ متى صرتُ بيتًا واسعًا يسكنه كل شيء…
وكل شيء فيه لا يتنافر؟!
أهذه هي نعمة الوعي؟
أهذه هي لعنة الإدراك المتأخر؟
أم هي تلك الهزة الداخلية التي يسمّيها البعض “التجلّي”،
ويسميها البعض “الجنون”،
وأسميها أنا… أن أكون إنسانًا؟
كم كنتُ صغيرًا حين كنتُ متطرفًا في كل شيء: في الحب، في الغضب، في الرأي، في الكراهية…
كنتُ أحتمي بلونٍ واحدٍ كي لا أضيع … ؛ لكنني كنتُ ضائعًا وأنا أظن نفسي ناصعًا...
اليوم، لا أنتمي إلا للتناقض … ؛ ولا أرفض إلا الاصطفاف …
اليوم أنا خليطٌ من حيرةٍ ونور … ؛ من ضعفٍ جميل … ؛ من فرحٍ هش … ؛ من حزنٍ شفاف كالماء …
الآن فقط… أشعر بنفسي بوجودي … ؛ لكن : يا للأسف!
يا للوجع الدافئ في الجملة الأخيرة من هذا الإدراك:
أنا إنسان… إنسان… إنسان… ؛ لكن بعد ذهاب العمر و فوات الأوان.