عزيز الخزرجي
منذ أن بدأ الأنسان الأنتقال من عصر إلى عصر بسبب طبيعة العقل لتحقيق عالم متحضر و متمدن بعد عبوره لعدة مراحل تأريخية, كآلمرحلة البدائية والجليدية و الحجرية و غيرها والتي قسّمناها كليا بستة عصور في مؤلّفاتنا الفكرية – الفلسفية, ثم حدوث الطوفان, ليبدا من تبقى على سفينة نوح حياة جديدة كآلعصور المختلفة حتى عصر الزراعة والأستقرار ثم عصر التمدن Post Factual Era و حتى عصرنا هذا الذي نعيشه الآن؛ عصر ما بعد المعلومات التي عبرنا ربعه الأول؛
لقد ورد في تأريخ (أخوان الصفا) و قصصهم المثيرة و تراثهم و ثقافتهم الواسعة نسبياً, بأن المثقف الرصين الكامل هو ذلك الذي ورد صفاته و تصنيفه في الرسالة (22) من ثقافتهم, بكونه الأنسان الكامل الذي يتصف بآلصفات التالية :
هندي البصيرة ؛ شامي السيرة؛ صوفي النسك؛ مسيحي الطريقة؛عبراني المنهج ؛ عراقي الآداب؛ عربي الدين؛ فارسي النسب.
تلك الصفات هي التي تُميّز المثقفين العمالقة في ثقافة و أدبيّات (أخوان الصفا), الذين يتحلّون بآلأخلاق و العلم و السيرة الحسنة و القلوب الطيبة و الأيمان و الضبط و آلصبر و الأستقامة التي لا تعرف الحقد, و الذين خلي منهم العراق و بلادنا للأسف.
و تجدر الأشارة إلى أن الفلسفة الكونيّة قسمت المثقفين و حتى عموم الناس حسب معادلة متوالية منطقيّة حسب التالي :
الأول : قارئ, و هي أدنى درجة في مسلك المثقفين .
الثاني : مثقف, يعرف بشكل كلي ما يدور حوله من قضايا تتعلق بواقعه و ربما واقع البلاد الأخرى.
الثالث : كاتب؛ يمكنه كتابة مقالات أو شبه مقالات تتعلق بواقعه أو مجمل الأحداث الأساسية المعنية.
الرابع : مفكر؛ يمكنه أن يدرك و يعي و يعلق أيضا على مواضيع مع الأستدلال على الوقائع و الأحداث.
الخامس : فيلسوف؛ يمكنه أن يحلل الوقائع بدقة تقريباً و ينظر لبعض الحلول الممكنة أو تقييم بعض الأمور.
السادس : فيلسوف كوني؛ يمكنه أن ينظر للأحداث و القضايا المصيرية بحسب المنظور و المعقول .
الســابع : عارف حكيم؛ و يتمثل فيه كل الصفات التي وردت في النقاط الستة أعلاه, إضافة إلى توقعاته الدقيقة التي يندر أن تخالف الواقع المستقبلي المنظور لقوة البصيرة التي يمتلكها, و تكون عادة ما دقيقة .
أما التسميات الرائجة الآن و التي نسمعها أحياناً عن بعض الشخصيات التي يتم توصيفها بعالم أو بمفكر سياسي أو مفكر أقتصادي أو غير ذلك ؛ فإنها تشمل جزءاً أو جانباً من المعنى و لا يشملهم صفة المفكر العام أو الفيلسوف في السلسلة الكونية التي تحدّد مواصفات محورية كونية عامّة تتجاوز مجرد أن يكون الموصوف بها مختصاً معيناً بفرع من فروع العلم أو الأجتماع أو التربية أو علم النفس كآلسياسي أو الأقتصادي أو التربوي أو الطبي و غيرها؛
لأن جميع تلك التخصصات تكون فروعا منبثقة من الفلسفة والعرفان .. أو الفلسفة الكونية كختام للفلسفة, أو العرفانية الحكيمية, و التي تشمل مدارات كونية واسعة تتجاوز مجرد أختصاص معيّن, و كما هو السائد في الجامعات الأكاديمية التي تعطي شهادة دكتوراه أو (بوست دكتورين) التي تتعدى الدكتوراه في مجال معين من مجالات الحياة الكثيرة جداً والتي لا تحصى!
و لكنه حتى (البوست دكتورين) بحسب قواعد الفلسفة الكونية ليس بآلضرورة أن يكون هذا المختص إنساناً كاملاً و كما يتصور الناس والسياسيين و المتحزبين ذلك, لأن الأنسان الكامل يجب أن يكون كونيّاً في نطرته وصاحب بصيرة ممتدة عبر كل الوجود.
هذا الموضوع يفيدنا أيضاً في قضية تقييم المؤهلين لتسنم المناصب و الدرجات الوظيفيّة التي للآن لا يوجد لها قانون عادل يستند العالم عليه حتى لدى هيئة الأمم المتحدة, حيث لا تمتلك موازين علمية رصينة بشأن ذلك, لهذا إعتمدنا التعريفات اللازمة التي وردت في الفلسفة الكونية ليكون (الرجل المناسب في المكان المناسب) لأجل عالم متّزن وعادل و رصين لا يبرز فيه الفساد وآلظلم والطبقية وكما حلّ بعالم اليوم, وبآلأخص في بلادنا التي إعتمدت على النظام التكنوقراطي الفاشل , لأنّ هذا المنهج لا يُقدّم المطلوب تحقيقه, فآلشهادة الجامعية أو الحوزوية لوحدها تقدم لنا أنصاف مثقفين لا يحققون العدالة كما يعتقد الناس!
عزيز حميد مجيد