ضياء المهندس
بينما تُسلّط الأضواء على الأبعاد الأمنية والجيوسياسية لـ”ممر داوود”، هناك حربٌ موازية تُشنّ على العراق بصمت، لكن نتائجها أكثر تدميراً من القصف: إنها الحرب على اقتصاده. إذ لم يعد التهديد مقتصرًا على الإرهاب أو التفتيت الطائفي، بل باتت أدوات الاختراق تشمل الدولار، والمنافذ الحدودية، وشبكات الاستيراد غير المشروعة. فالاقتصاد، مثل الأمن، لم يعد بعيدًا عن ساحة التلاعب الخارجي، بل تحوّل إلى بوابة رئيسية للهيمنة.
🔁 كيف يُعيد “ممر داوود” تشكيل الاقتصاد العراقي؟
مشروع “ممر داوود”، إن تمّ تطبيقه، سيُحدث انقلابًا في الجغرافيا الاقتصادية:
التجاوز على طرق التجارة العراقية التقليدية (كالحدود الجنوبية والموانئ والبصرة).
ضرب قناة السويس وميناء الفاو عبر خلق طرق بديلة تمر عبر سوريا وإقليم كردستان.
تغذية اقتصاد ظلّ يخدم مصالح قوى خارجية، من خلال منافذ غير خاضعة للدولة المركزية.
المحصلة:
تهميش الاقتصاد الرسمي، وازدهار شبكات التهريب وغسل الأموال المرتبطة بمراكز نفوذ محلية وإقليمية.
💵 التهريب والدولار: سلاحان ناعمان للضغط على بغداد
من أبرز أدوات الحرب الاقتصادية اليوم:
تهريب العملة الصعبة عبر شبكات تغذّي أسواق مجاورة (وخاصة إيران وسوريا)، ما أدّى إلى:
انخفاض قيمة الدينار.
ارتفاع أسعار السلع بنسبة تجاوزت 30% في بعض المحافظات خلال 2024.
فقدان الثقة بالبنك المركزي.
استيراد بلا رقابة من معابر كردستان ومناطق خارجة عن سيطرة الحكومة، ما أجهز على الصناعة المحلية، وأضعف قدرة الدولة على فرض الضرائب أو الرقابة النوعية.
توظيف العقوبات الأميركية بحجة “مكافحة غسيل الأموال” للضغط على المصارف العراقية، ما شلّ القطاع المصرفي وأفقد السوق قدرته على التعافي.
📉 أرقام صادمة من الاقتصاد العراقي (2024)
العجز المالي قارب 18 تريليون دينار في موازنة 2024.
القطاع الصناعي يعمل بأقل من 20% من طاقته، رغم توفر البنى التحتية الأساسية.
الاستثمار الأجنبي انخفض بنسبة 60% مقارنة بـ2022، بسبب المخاوف الأمنية والسياسية.
القطاع الزراعي تضرر بشدة بفعل شحّ المياه وسيطرة قوى نافذة على الموارد.
🛑 مشروع التقسيم الاقتصادي: من المركز إلى الأطراف
المفارقة أن ما يُطبّق في الاقتصاد اليوم يشبه نموذج “الفدرلة الجيوسياسية” لكن بطريقة مالية:
كل محافظة تسعى لإدارة مواردها بنفسها بعيدًا عن سلطة الدولة المركزية.
إقليم كردستان يعقد صفقات نفطية دون علم بغداد..
مليشيات تسيطر على منافذ حدودية وتفرض إتاوات على التجارة.
محافظات الجنوب تشكو من تمييز مالي وإهمال استثماري متعمّد.
النتيجة: اقتصاد متعدد الرؤوس، هشّ، وسهل الانهيار عند أول صدمة خارجية.
🛡️ هل هناك مقاومة اقتصادية ممكنة؟
نعم، لكنها تحتاج إلى إرادة دولة، ووعي شعب. من أدوات المواجهة:
ضبط المنافذ الحدودية وفرض السلطة الفعلية عليها.
إعادة تنشيط الصناعة والزراعة بدعم مباشر من الحكومة والحشد الشعبي بمفهومه الخدمي.
إغلاق ثغرات تهريب الدولار عبر إجراءات أمنية صارمة وشبكات رصد إلكتروني.
التحول التدريجي إلى التعامل بالعملات البديلة في التجارة الخارجية مع الصين وروسيا وإيران.
🧭 الخلاصة: الاقتصاد ليس رقماً… بل ساحة معركة
ما يُراد للعراق ليس فقط أن يُفتّت سياسيًا، بل أن يُستنزف اقتصاديًا ليُصبح تابعًا. “ممر داوود” ليس مجرد طريق، بل خطة لضرب العمق المالي للدولة وتحويلها إلى مجرّد وظيفة في مشروع إقليمي أكبر.
إذا لم تُصن السيادة المالية، فإن أي سيادة أخرى ستكون مجرد شعار.
العراق لا يُبنى من النفط فقط… بل من الإرادة، والاستقلال، والعدالة الاقتصادية.
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي