المهدي المنتظر: أمل الأمة وقائدها

حسين شكران الأكوش العقيلي

في قلب التاريخ، حيث تتقاطع الآلام مع الآمال، وتتعانق المآسي مع الرجاء، يسطع اسمٌ لا يغيب عن وجدان الأمة، ولا يخبو في ذاكرة المستضعفين: الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف). ليس مجرد شخصية غيبية ننتظرها، بل هو رمز حيٌّ للأمل، ومشروع إلهي للعدل، وقيادة موعودة لتصحيح مسار الإنسانية.

 الولادة والنسب الشريف

وُلد الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 255 هـ، بمدينة سامراء، لأبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأمه السيدة نرجس، التي تنحدر من نسب ملكي رومي يتصل بحواريي المسيح (عليه السلام). وقد أُخفي أمر ولادته لحكمة إلهية، إذ كانت السلطة العباسية تترصّد هذا الوليد الذي بشّر به النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه الشريفة، بأنه سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورًا..

الغيبة الكبرى: غياب الجسد وحضور الرسالة

منذ سنة 329 هـ دخل الإمام المهدي في الغيبة الكبرى، بعد أن انتهت مرحلة السفراء الأربعة الذين كانوا حلقة الوصل بينه وبين الأمة. لكن غيابه لم يكن انقطاعًا، بل كان اختبارًا للوعي، وتمرينًا على الانتظار الإيجابي. فالإمام حاضرٌ في وجدان المؤمنين، يراقب، يرشد، ويهيّئ الأرض لظهوره المبارك.

المهدي في الفكر الإنساني والديني

ليست فكرة المهدي حكرًا على المسلمين، بل هي إجماع روحي عالمي. فكل الأديان السماوية بشّرت بمصلحٍ يظهر في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الإلهي. والإسلام، خاصة في المذهب الإمامي، قدّم تصورًا دقيقًا لهذا القائد: حيٌّ، معاصر، يشاركنا آلامنا، ويترقب معنا لحظة الفرج.

الانتظار الإيجابي: مسؤولية لا رفاهية

الانتظار ليس تواكلًا، بل هو حالة نضج روحي وسياسي. فكل إصلاح، وكل مقاومة للظلم، وكل بناء للوعي، هو تمهيد لظهور الإمام. كما قال الإمام الصادق (ع): (من سُرَّ أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، ويعمل بالورع ومحاسن الأخلاق) .

 المهدي: قائد التحول الكوني

عندما يأذن الله بالظهور، لن يكون الإمام مجرد قائد عسكري، بل مصلح عالمي يعيد تشكيل الحضارة. سيهزم الطغيان، ويقيم دولة العدل، ويعيد للإنسان كرامته. فظهوره ليس حدثًا محليًا، بل تحولًا كونيًا في ميزان القيم والسلطة.

ختاما إن الإمام المهدي المنتظر ليس غائبًا عن التاريخ، بل هو حاضرٌ في كل صرخة مظلوم، وفي كل حلم إصلاح، وفي كل دعاء بالفرج. هو أمل الأمة وقائدها، الذي لا ننتظره فقط، بل نتهيأ له، ونكتب له، ونناضل من أجله.