حسين شكران الأكوش العقيلي
في عالمٍ تتكاثر فيه الأسماء وتقل فيه البصمات، يبرز الدكتور محمود الوزيري بوصفه فقيهًا واستاذا لا يكتفي بالتنقيب في النصوص، بل يسعى إلى استنطاقها بما يخدم الإنسان المعاصر. إن حضوره، وإن لم يكن صاخبًا في الإعلام، يحمل من العمق ما يجعل كل ظهور له بمثابة حدث فكري، لا مجرد مشاركة عابرة.
ينتمي الوزيري إلى مدرسة فقهية ترى في النص الشرعي ليس مجرد حكم، بل رؤية كونية، ومشروعًا أخلاقيًا، ومنهجًا لإعادة بناء الذات والمجتمع. فهو لا يتعامل مع الفقه بوصفه منظومة مغلقة، بل كفضاءٍ مفتوح للتأمل، والتجديد، والتفاعل مع الواقع. في كل تحليل فقهي يقدمه، ثمة محاولة جادة لتجاوز الجمود، والانفتاح على العقل، دون التفريط بالوحي.
ما يميز الدكتور الوزيري هو قدرته على الجمع بين الصرامة العلمية والمرونة الفكرية. فهو يقرأ التراث بعين الناقد، لا بعين المقلد، ويعيد ترتيب المفاهيم الفقهية بما يتناسب مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم الإسلامي. في مشاركاته العلمية، سواء في الندوات أو المؤتمرات، يظهر كمن يحمل همًا إصلاحيًا، لا مجرد رغبة في التنظير.
ورغم محدودية حضوره الإعلامي، إلا أن أثره يتسلل عبر طلابه، ومقالاته، ومداخلاته في الحوارات الفقهية المعاصرة. إنه لا يسعى إلى النجومية، بل إلى التأثير. لا يلهث وراء المنابر، بل يبني منبره من الكلمة الحرة، والرؤية العميقة، والالتزام الأخلاقي.
إن مشروع الدكتور محمود الوزيري هو دعوة صامتة لإعادة الاعتبار للفقه بوصفه علمًا حيًا، لا موروثًا جامدًا. وهو بذلك يشكل امتدادًا لخط الإصلاح الفقهي الذي بدأه كبار المفكرين في الحوزات العلمية، ممن رأوا في الفقه وسيلةً لفهم الإنسان، لا وسيلةً لضبطه فقط.
هكذا يتجلى الوزيري: استاذا و فقيهًا لا يكتفي بالفتوى، بل يسعى إلى بناء الوعي. عالمًا لا يكتفي بالشرح، بل يطرح الأسئلة. ومصلحًا لا يكتفي بالنقد، بل يقترح البدائل.