كامل سلمان
الحياة عودتنا على وجود نسخ مزيفة لكل صناعة إبداعية أو لكل شيء أصيل ، ووصل الأمر أن يكون التزييف في المبادى والأخلاق بل الأنكى أن يصل التزييف للدين عندما ظهرت نوعية العمامة المزيفة وظهور التدين المزيف وكذلك الحديث المزيف والشهادة الدراسية المزيفة والأستاذ والدكتور المزيف فكل مزيف هو نتاج طبيعي لوجود التلوث الأخلاقي في المجتمع لكن أغرب أنواع التزييف الذي ظهر في بلداننا هي الأرستقراطية المزيفة أي ظهور طبقة اجتماعية فاحشة الثراء من لا شيء فأصبحت هذه الطبقة تتصرف وكأنها طبقة اجتماعية عريقة ذات تأريخ اجتماعي ومالي قديم . المعروف عن طبقات الارستقراطيين بأنها طبقات تصل حد الأرستقراطية ذات الغنى المالي الكبير والمكانة الاجتماعية المحترمة بشكل تدريجي أي إنها لا تصبح أرستقراطية في ليلة وضحاها إلا بعد مرور جيل أو جيليين على الأقل وغالباً ما تشتهر هذه الطبقات بمهن تنسب لها أو عنوان اجتماعي أو علمي أو أدبي خاص بها ومن خلالها يذيع صيتها ، تكوين هذه الطبقة تستوجب خوض تجارب مالية واجتماعية ناجحة على مدى اجيال لتصل مرحلة الغنى ثم يتحول الغنى إلى أسم وعنوان عائلي ثم إلى سلوك أرستقراطي يشار له بالبنان من قصور فارهة وخدم وحشم وتربية خاصة للأبناء وتعليم خاص وحياة خاصة ورعاية طبية خاصة وحتى علاقات اجتماعية خاصة ، فالأرستقراطية طبقة شبه منعزلة عن العامة لأن كل شيء عندها له خصوصية فتتكون عند العوائل الأرستقراطية سلوك مختلف عن العامة فهناك تقليد اجتماعي خاص يسمى ( الاتكيت ) داخل العوائل الأرستقراطية يتدرب عليها أطفال ونساء ورجال وحتى عجائز تلك الطبقة ، ولا نستغرب بأن العوائل الأرستقراطية تكون لها قوة تأثير عميق على الأحداث السياسية والاجتماعية والأقتصادية للبلدان وأكثر الأحيان تصبح هذه العوائل هي الدولة العميقة بمرور الزمن . . ما حدث عندنا فعلاً معجزة ، أن تظهر طبقة أرستقراطية بشكل مفاجأ غير متدربة على حياة المجتمعات الأرستقراطية فتصبح سلوكيات هذه الطبقة خالية من ( الاتكيتات ) المعروفة عند العوائل العريقة لأن أرستقراطيتها جاءت عن طريق السرقات الضخمة ولأن الظروف التي ساعدت على صعود أسهمها الأرستقراطية غامضة فتحاول هذه الطبقة الدخيلة الربط بين سلوكياتها المتخلفة التي تربت عليها وهي سلوكيات اللصوص وسوء الأخلاق وبين سلوكيات العوائل الأرستقراطية بدون تربية مسبقة ، فهنا يكون المأزق وهنا تظهر العورات ، أرستقراطية مزيفة منبوذة من العوائل الأرستقراطية الأصيلة قلقة قابلة للزوال لأنها بالأساس لم تأتي بشكل مستحق . . من ظواهر التزييف في الأرستقراطية المزيفة تمسكها بالعادات والطقوس التي سبقت ثراءها سواء أكانت عادات دينية أو مذهبية أو اجتماعية أو عشائرية ومنها أيضاً سلوكيات نساءهم الغريبة التي فيها ألف علامة استفهام مثل التزين بكميات من الذهب والألماس بشكل غير طبيعي ومنها أيضاً استهتار هذه العوائل المزيفة بالقانون وعدم احترامها للقانون واستخدامها للعنف المفرط لكل من يحاول المساس بها وكشف عوراتها ومنها كذلك الانحلال الأخلاقي المخفي داخل هذه العوائل . وللتذكير أن أهم ما يميز الطبقة الأرستقراطية الحقيقية هي أنها تتزين بالنبل الأخلاقية والنبلاء لهم قيم اخلاقية عالية المستوى ، أما المزيفون لو إطلعت عليهم لوليت منهم فراراً لسوء الحالة الأخلاقية التي وصلوا إليها . لسنا بصدد مدح السلوك الأرستقراطي فمهما يكون هذا السلوك نبيلاً وجميلاً فهو تكابر وتعالي على المجتمع ومن المستحيل أن تتراكم الأموال عند إنسان معين مالم يكن هناك استغلال وظلم وأحياناً تحايل أو بخل ولكن للإنصاف فأن سلوك العوائل الأرستقراطية تميل للتطور العلمي والمعرفي واحترام القانون والبحث عن الأمان لهم وللمجتمع حتى أننا نجد أنجح الأطباء والعلماء ورجال الأعمال هم من العوائل الأرستقراطية ، هذه المواصفات لا تستوعبها أصحاب الأيادي القذرة التي سرقت الأموال بوضح النهار لتبني لها إمبراطوريات مالية وتحسب نفسها بأنها أصبحت أرستقراطية . هؤلاء اللصوص يبقون يعيشون حياة اللصوص بعناوين الأغنياء خائفين مترقبين يحسبون كل صيحة عليهم فيعيشون القلق النفسي والكراهية للناس لأنهم يشعرون بأن كل من يتقرب منهم سيفعل بهم ما فعلوه هم أنفسهم بالناس ، فتبقى العقد النفسية تلاحقهم ، ومهما عاشوا طويلاً فكأنها اياماً معدودات خالية من راحة البال لذلك لا غرابة أن ترى وجوههم مكفهرة عبوسة حذرة خائفة بينما لو نظرنا إلى وجوه العوائل الأرستقراطية الحقيقية سنرى علامات النعيم والراحة . فهل لهذه المتعة الوهمية والعنوان المزيف أوقع هؤلاء اللصوص أنفسهم وأهليهم بها وجعلوا حياتهم لعنة دائمة ؟