فوزي الأتروشي…… الرجل الذي قلب مسار حياتي ١٨٠ درجة وفتح لي باب الصحافة

يحيى هركي

مرت ست سنوات منذ رحيل الكاتب والصحفي الكبير فوزي الأتروشي ومع ذلك يبقى أثره حيًا في قلبي وفي حياتي اليوم أكتب هذه الكلمات لأشارك القارئ الكريم جزءًا من الذكريات والعلاقة العميقة التي ربطت بيننا علاقة لم يعرف عنها الكثيرون شيئًا من قبل.

الأكراد الذين عاشوا معي في مدينة بون بألمانيا يعلمون جيدًا مدى صداقتنا وعمق ثقتنا المتبادلة وكيف كان يقف إلى جانبي في أصعب اللحظات ويعلّمني ويشجعني ويدفعني لأن أصبح أفضل. كل ما سأذكره هنا هو لأول مرة يُكشف للقارئ وهناك المزيد من القصص والتفاصيل التي سأشاركها في مقالاتي القادمة.

كانت صداقتنا أكثر من مجرد علاقة صداقة كانت مدرسة حياتية وملهمًا لمسار حياتي وقد غيّرني فوزي الأتروشي إلى الأبد وجعل من الكتابة والدفاع عن القضية الكردية جزءًا من كياني وروحي.

تعرفت على فوزي الأتروشي في بداية وصول الى ألمانيا في تلك الأسابيع الأولى من وصولي ربطتني به علاقة إنسانية صادقة كان متواضعًا وطيبًا وعندما لمس مستواي في اللغة العربية قال لي: يا يحيى يجب عليك أن تدافع عن القضية الكردية.

كانت تلك الكلمات نقطة تحول في حياتي بفضل تشجيعه بدأت بكتابة المقالات وهو الذي كان يراجعني ويشجعني دائمًا وهكذا نشرت أولى مقالاتي بعنوان (كفى ظلما) في  صحيفة الحياة اللندنيه  ثم في صحيفة الشرق الأوسط و الزمان اللندنية والقدس العربي.

كنا نقضي ساعات طويلة معًا أحيانًا في شقتي وأحيانًا على ضفاف نهر الراين نتناقش في السياسة والأدب والفكر. كان يصحح لي أفكاري ويعلّمني كما يفعل البروفيسور مع تلميذه وفي المقابل كنت أسانده في أمور حياتية كثيرة.

آنذاك لم يكن الإنترنت متاحًا بسهولة فكنا نكتب المقالات بخط اليد ونرسلها عبر جهاز الفاكس إلى الصحف. كنت أعمل في مركز اتصالات (Call Center) حكومي حيث كانت الحواسيب والإنترنت متوفرة مجانًا فكان يأتي إليّ ويجلس أمام أحد الأجهزة ويقول لي مبتسمًا: يا يحيى اعمل هنا ولو بلا راتب المهم أن يكون لنا منفذ ندافع به عن قضيتنا.

كانت علاقتنا أكبر من صداقة عابرة كان أستاذًا حقيقيًا لي لم ينسَ يومًا أنني وقفت بجانبه وكان يثق بي ثقة كبيرة حتى عندما عاد إلى العراق وتولى منصب وكيل وزارة الثقافة كان يتصل بي دائمًا ويعرض عليّ أن أعمل معه لكنه كان يحترم اختياري بالبقاء في ألمانيا حيث الحرية أهم من أي منصب.

الخلاصة:

رغم المناصب التي شغلها لاحقًا ظل الأتروشي إنسانًا بسيطًا ومتواضعًا شاعرًا يعشق الكلمة ومناضلًا مخلصًا للقضية الكردية. كان يكتب دواوين عن الحب والوطن والإنسان لكن في حياته اليومية كان يعيش هذه القيم بصدق.

برحيله فقدتُ أكثر من صديق. فقدتُ المعلم الذي فتح لي باب الصحافة والأخ الذي وثق بي في أصعب الأوقات. كل ذكرى قضيناها معًا كل نقاش على ضفاف الراين كل مقالة كتبناها بخط اليد وأرسلناها عبر الفاكس وكل كلمة نصحني بها ستبقى محفورة في قلبي.

فوزي الأتروشي لم يغيّر حياتي فقط بل منحني الثقة لأصبح صوتًا بالقلم وقلبًا في الصحافة وروحًا تدافع عن القضية الكردية بشغف. رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته، وستظل ذكراه دائمًا حية تلهمني في كل مقال أكتبه وكل كلمة أنشرها. وذكراه ستظل مرتبطة بكلماته التي لا أنساها:

يا يحيى يجب أن تدافع عن القضية الكردية.