كامل سلمان
هناك سلطتان قضائيتان تعملان في هذا البلد أحداهما دستورية والثانية عشائرية ، عندما يواجه المواطن العراقي مشكلة اجتماعية أو قضائية أو أمنية يلجأ بسرعة إلى العشيرة فهي الضمانة للدفاع عن حقه والشعور بالإطمئنان أما السلطة القضائية الدستورية فهي تحصيل حاصل . العجيب أن كبار مسؤولي الدولة وحتى مسؤولي القضاء يلجأون إلى السلطة العشائرية لحل مشاكلهم ، هذا يعني بأننا دولة عشائرية بأمتياز ، الحل والربط بيد شيوخ العشائر ، إذاً مالهدف من وجود دستور وسلطة قضائية ؟ نحن لا نعيب القضاء ولكن هذه هي إمكانيات القضاء وهذا هو واقع حال البلد . لم يتخلص العراق في يوم من الأيام من السلطة العشائرية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد يومنا هذا ولكن السلطة العشائرية مرّت بفترات ضعف بسبب قوة الحكومات في تلك الفترات أما بعد 2003 م أصبحت السلطة العشائرية تتصدر المشهد ويعود الفضل في ذلك إلى ضعف القانون من ناحية وعشائرية رجال السلطة من ناحية ثانية . في جميع دول العالم هناك ثلاثة سلطات رسمية دستورية تقود البلد وهي معروفة للجميع ( السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ) وهذه السلطات تعمل تحت مظلة الدستور أما في عراق اليوم فهذه السلطات موجودة لكنها مكبلة تحت سلطات ثلاث أخرى وهي ( السلطة العشائرية والسلطة الدينية وسلطة المليشيات ) بمعنى السلطات الحقيقية هي سلطات الظل وليست السلطات القانونية ، سلطات الظل التي هي السلطة العشائرية والسلطة الدينية وسلطة المليشيات بالحقيقة هي الدولة العميقة أن صح التعبير لهذا البلد ، فعملية لجوء المواطن إلى العشيرة لم يأتي من فراغ وإنما فرض عليه ذلك فرضاً وإلا يعيش المواطن في حالة ضياع وقلق وخوف وقد يتعرض للإنتهاك . هذه الصورة هي تجسيد عملي لنظرية دارون في ( البقاء للأقوى ) كل شيء خارج القانون يخضع لنظرية الأقوى ولكن هذه المرة في عالم الإنسان وليس عالم الحيوان لأن دارون حين وضع نظريته في البقاء للأقوى وضعها لعالم الحيوان . . هل تعلمون بأننا مجتمع لا نتقبل النقد ، ما نتحدث به لم ولن يلقي آذان صاغية بسبب تقبل غالبية الناس لأهمية العشيرة وسلطة العشيرة ، فلو تحدثنا مع أي فرد من أفراد مجتمعنا وقلنا له هذا هو عيبك فبدل أن يأخذ الكلام محمل الجد ويتحقق من العيب بدل ذلك يذهب مسرعاً للرد القاسي وكأنك أهنته ، مثل هذا المجتمع يرفض أي نقد لأنه يعيش الكمال المطلق في قرارة نفسه فلا يستطيع رؤية عيوبه بل يحسبها مفخرة ويستطيع رؤية عيوب جميع المجتمعات والشعوب الأخرى فمجتمعنا قادر أن ينتقد أرقى المجتمعات ينتقد اليابان ينتقد أمريكا ينتقد السويد وغيرها أما نفسه معفية من النقد وواقع حاله في طي النسيان ، يعنيه الشأن الفلسطيني وتعنيه أوكرانيا وتعنيه الأرجنتين ولا تعنيه نفسه وبلده ، قد يكون كلامنا أعلاه كلام قاسي أو هو إنتقاص وإهانة حسب وجهة نظر عشاق العشائرية لكنه هو الواقع شئنا أم أبينا . السلطة العشائرية يعتبرونها هي الأصل لا نقاش فيه والسلطة الدينية خط أحمر لا نقاش فيه وسلطة المليشيات حماة الشرف لا نقاش فيه . الحقيقة واحدة في كل زمان وكل مكان هو أن الذين يستطيعون رؤية العيوب وتشخيصها داخل المجتمع هم القلة القليلة وهؤلاء هم أولو الألباب الذين إذا كممت أفواههم يتيه بقية الناس عن طريق الصواب . الكل يعلم بأن السلطة العشائرية والسلطة الدينية والمليشيات منذ مئات السنين لم تقدم شيئاً للمجتمع سوى التخلف والخراب والعبودية إضافة إلى الخوف ، فلنقارن ذلك مع المجتمعات التي تتطور يومياً ونكيل الأمور بميزان العقل سنرى الكارثة فلا ينبغي أن نعيد ونكرر اخطاء الماضي ونحن عالمون بمساوئه ، فالمستقبل لا يبنى بالعودة إلى الماضي نحن نرى الماضي جميلاً لأننا لم نرى غيره وغيرنا يراه عيباً لأن غيرنا رأوا الأفضل منه وجربوه . بأختصار السلطة العشائرية هي سلطة المجتمعات البدائية التي تخاف رؤية نور المستقبل ، هي تمرد على القانون والدستور ، هي إحباط وخيبة أمل لمن يتطلع لبناء نفسه وعائلته ومجتمعه في ظل دولة كريمة ، لسنا أقل من باقي شعوب الأرض منزلة لكي نختار الحياة الأسوأ فنحن لنا شواهد تأريخية تستحق التقدير . بات على السلطات الدستورية أن تنتفض وتدافع عن شرعيتها فهي الأحق بالبقاء وهي الأمل لملايين الناس وبدونها سيكون الأسوأ في الانتظار وما الاقتتال العشائري الذي يحدث كل يوم هنا وهناك إلا مقدمات السقوط في الوادي السحيق .