علي المؤمن
منذ عام 2022، والجدل يحتدم في الأوساط الدينية والإعلامية حول خطوة المملكة السعودية الوهابية إنتاج مسلسل ضخم عن معاوية بن أبي سفيان بتكلفة بلغت (100) مليون دولار، في محاولة واضحة لتبييض صفحته. وقد بلغت الاستنكارات ذروتها خلال عرض المسلسل في شهر رمضان الماضي على شاشة MBC السعودية.
لكن ما وجه الخطأ في ذلك؟ أليس من حق كل دولة أن تكتب تاريخها كما تشاء وأن تزيّن سيرة رموزها؟ هذا حقّ تمارسه الأمم عبر ما يُعرف بـ “الحرب الأيديولوجية الناعمة”، حيث تُقدِّم الدول لأبنائها وللعالم صوراً متخيلة أو منقّحة عن أبطالها ومؤسسيها، وتدافع عنهم بفخر. فإيران الشيعية، وشيعة العراق ولبنان، فعلوا ذلك مراراً في أفلام ومسلسلات عن الإمام علي، والإمام الحسن، والإمام الحسين، والسيدة الزهراء، والسيدة زينب، والإمام الرضا، والمختار، وميثم التمار، وأبي ذر الغفاري، ومسلم بن عقيل؛ لأنهم يرون في هؤلاء رموزاً عقدية تستحق الإبراز والتبجيل.
فلماذا يُستنكر على السعودية أن تمارس الفعل نفسه مع رموزها المؤسسين: معاوية ويزيد وهند ومروان بن الحكم والحجاج وعبد الملك بن مروان؟
إن المدهش حقًا ليس في أن تنتج السعودية مسلسلاً عن معاوية؛ فهذا أمر طبيعي منسجم مع عقيدتها المنتمية إلى معاوية وآل أميّة، بل المدهش أن نجد الشيعي الملتزم والسني المعتدل يفتقران إلى وعي رمزية هذه الخطوات السعودية، فيعيشان تائهين البوصلة، عاجزين عن تمييز مواضع مصلحتهما العقدية والسياسية، حتى نجدهما – أحياناً – يقفان في صفّ السعودية، خصمهما الأيديولوجي، ضد نسيجهما العقَدي، بينما تعمل السعودية على سلْب عقيدة المسلم ووعيه وحقوقه ووجوده ذاته.