الغارمين، يزجي، الرقاب: في القرآن

الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن الغارمين والرقاب “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” ﴿التوبة 60﴾ وقوله: “والغارمين” أي وللصرف في الغارمين الذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة. “وفي الرقاب” فهو متعلق بمقدر والتقدير: والمصرف في الرقاب أي في فكها كما في المكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرق الذي كان في شدة. وجاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: “والغارمين”: وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا إسراف يقضى عنهم الديون. “وفي الرقاب” يعني في فك الرقاب من العتق، وأراد به المكاتبين وأجاز أصحابنا أن يشترى منه عبد مؤمن، إذا كان في شدة، ويعتق، ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة، وهو قول ابن عباس، والحسن، ومالك. وجاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: “والْغارِمِينَ” وهم الذين تحملوا ديونا عجزوا عن وفائها، فتؤدي عنهم من الزكاة، على شريطة أن لا يكونوا قد صرفوها في الإثم والمعصية. “وفِي الرِّقابِ” أي تبذل الزكاة لفك العبيد وتحريرهم من الرق ولا موضوع اليوم لهذا الصنف. وجاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الغارمون: وهم الذين عجزوا عن أداء ديونهم، ولم يكن هذا العجز نتيجة لتقصيرهم. في الرقاب: وهذا يعني أن قسما من الزكاة يخصّص لمحاربة العبودية والرق وإنهاء هذه الحالة غير الإنسانية، وكما قلنا في محله فإنّ برنامج الإسلام في معالجة مسألة الرقيق هو اتباع نظام (التحرير التدريجي) الذي ينتهي إلى تحرير جميع العبيد بدون مواجهة ردود فعل اجتماعية غير متوقعة، ويشكّل تخصيص قسم من الزكاة لهذا الموضوع جانبا من هذا البرنامج المتكامل

وعن تفسير الميسر: قوله تعالى عن الغارمين والرقاب “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” ﴿التوبة 60﴾ وَالْغَارِمِينَ: وَ حرف عطف، الْ اداة تعريف، غَارِمِينَ اسم. وَالْمُؤَلَّفَةِ: وَ حرف عطف، الْ اداة تعريف، مُؤَلَّفَةِ اسم. إنما تعطى الزكوات الواجبة للمحتاجين الذين لا يملكون شيئًا، وللمساكين الذين لا يملكون كفايتهم، وللسعاة الذين يجمعونها، وللذين تؤلِّفون قلوبهم بها ممن يُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفعه للمسلمين، أو تدفعون بها شرَّ أحد عن المسلمين، وتعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين، وتعطى للغارمين لإصلاح ذات البين، ولمن أثقلَتْهم الديون في غير فساد ولا تبذير فأعسروا، وللغزاة في سبيل الله، وللمسافر الذي انقطعت به النفقة، هذه القسمة فريضة فرضها الله وقدَّرها. والله عليم بمصالح عباده، حكيم في تدبيره وشرعه. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: “والغارمين” أهل الدَّين إن استدانوا لغير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء.

ورد في القرآن الكريم عن غارمين ومشتقاتها: وَالْغَارِمِينَ، مَغْرَمًا، غَرَامًا، مَغْرَمٍ، لَمُغْرَمُونَ. وجاء في معاني القرآن الكريم: غرم الغرم: ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، أو خيانة، يقال: غرم كذا غرما ومغرما، وأغرم فلان غرامة. قال تعالى: “إنا لمغرمون” (الواقعة 66)، “فهم من مغرم مثقلون” (القلم 46)، “يتخذ ما ينفق مغرما” (التوبة 98). والغريم يقال لمن له الدين، ولمن عليه الدين. قال تعالى: “والغارمين وفي سبيل الله” (التوبة 60)، والغرام: ما ينوب الإنسان من شدة ومصيبة، قال: “إن عذابها كان غراما” (الفرقان 65)، من قولهم: هو مغرم بالنساء، أي: يلازمهن ملازمة الغريم. قال الحسن: كل غريم مفارق غريمه إلا النار (أخرج هذا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما. انظر: الدر المنثور 6/274)، وقيل: معناه: مشغوفا بإهلاكه.

عن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن يزجي “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ” ﴿النور 43﴾ “ألم تر أن الله يزجي سحابا” يسوقه برفق. وجاء في تفسير الميسر: يزجي: يُجري و يسَيِّر، يسوق. ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء.

وجاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه عن يزجي “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ” ﴿النور 43﴾ يزجي أي يدفع، ألم تر أنت وكل من يرى أن الله يدفع بالرياح سحابا متفرقا. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: يزجي السحاب أي يسوقه من بلد إلى بلد.

وردت كلمة يزجي ومشتقاتها في القرآن الكريم: مُزْجَاةٍ، يُزْجِي.. قال الله تعالى في يزجي “رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” ﴿الإسراء 66﴾، “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ” ﴿النور 43﴾.

عن جابر بن عبدالله قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وآله إحدى وعشرين غزوة بنفسه، شاهدت منها تسعة عشر، وغبت عن اثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيانا ضحى تحتي بالليل فبرك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في آخرنا في آخريات الناس، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم.

وردت كلمة رقاب ومشتقاتها في القرآن الكريم: الرِّقَابِ رَقِيبًا رَقَبَةٍ الرَّقِيبَ يَرْقُبُوا يَرْقُبُونَ وَارْتَقِبُوا رَقِيبٌ تَرْقُبْ يَتَرَقَّبُ فَارْتَقِبْ مُرْتَقِبُونَ فَارْتَقِبْهُمْ. وجاء في معاني القرآن الكريم: رقب الرقبة: اسم للعضو المعروف، ثم يعبر بها عن الجملة، وجعل في التعارف اسما للمماليك، كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب (قال ابن منظور: والظهر: الركاب التي تحمل الأثقال في السفر، لحملها إياها على ظهورها. انظر: اللسان (ظهر) )، فقيل: فلان يربط كذا رأسا، وكذا ظهرا، قال تعالى: “ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة” (النساء 92)، وقال: “وفي الرقاب” (البقرة 177)، أي: المكاتبين منهم، فهم الذين تصرف إليهم الزكاة، ورقبته: أصبت رقبته، ورقبته: حفظته. والرقيب: الحافظ، وذلك إما لمراعاته رقبة المحفوظ؛ وإما لرفعه رقبته، قال تعالى: “وارتقبوا إني معكم رقيب” (هود 93)، وقال تعالى: “إلا لديه رقيب عتيد” (ق 18)، وقال: “لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة” (التوبة 10)، والمرقب: المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب، وقيل لحافظ أصحاب الميسر الذين يشربون بالقداح رقيب، وللقدح الثالث رقيب، وترقب: احترز راقبا، نحو قوله: “فخرج منها خائفا يترقب” (القصص 21)، والرقوب: المرأة التي ترقب موت ولدها، لكثرة من مات لها من الأولاد، والناقة التي ترقب أن يشرب صواحبها، ثم تشرب، وأرقبت فلانا هذه الدار هو: أن تعطيه إياها لينتفع بها مدة حياته، فكأنه يرقب موته، وقيل لتلك الهبة: الرقبى والعمرى.