الكاتب والصحفي يحيى هركي ـ المانيا
في زمنٍ يكثر فيه سوء الفهم بين الأديان وتعلو فيه أصوات التعصب على نداء العقل والضمير أكتب هذه الكلمات من قلبٍ يؤمن أن كلمة الله هي الحق الذي لا يُعلى عليه فهي النور الذي يهدي العقول قبل الأبصار والميزان الذي يزن به الإنسان إيمانه وأعماله.
هذه المقالة ليست مجرد كلمات بل هي شهادة أقولها أمام الله وأمام الناس جميعا عن الديانة الإيزيدية كما فهمتها من القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبينا محمد ﷺ لقد خلقنا الله مختلفين في أدياننا ومذاهبنا وأفكارنا لا ليجعل أحدنا وصيا على الآخر بل ليختبر كل إنسان في عمله وإخلاصه كما قال الحق ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن حكمته أرادت أن يكون التنوع بابا للتعارف لا سببا للصراع
هذه المقالة دعوة من القلب إلى القلب إلى كل مؤمن بالله مهما كان دينه أو طائفته أن يتأمل في جوهر الإيمان لا في اسمه وفي العمل الصالح لا في شعاره دعوة للتآخي والتراحم بين المسلمين والإيزيديين والمسيحيين والكاكائيين وكل أتباع الديانات لأننا جميعا نلتقي عند الإيمان بالله واليوم الآخر وحب الخير للناس
أكتبها بصدق ونية خالصة لتكون رسالة سلام تطرق القلوب قبل أن تطرق العقول رسالة تؤمن أن المحبة والعدل والرحمة هي أعمدة الحياة الإنسانية وأن الفرق بيننا لا يقاس بالمعتقد بل بما نزرعه من نور وخير في طريق الآخرين فالإيزيديون إخوتنا في الإنسانية وأي ظلم يقع عليهم هو جرح في جسدنا جميعا وأي خير يصيبهم هو بركة لنا لأن القيم الإلهية التي نزلت على كل الأنبياء واحدة وإن اختلفت الأسماء واللغات فالله واحد والحق واحد والإنسانية جامعة لكل من آمن به وسار على دربه
تعد الديانة الإيزيدية من أقدم الديانات في منطقة الشرق الأوسط حيث تمتد جذورها إلى عصور ما قبل الإسلام متأثرة بعدد من الديانات القديمة مثل الزرادشتية والمجوسية والمسيحية ومع ذلك فإن المتأمل في تعاليمها ومعتقداتها يجد أنها تشترك في العديد من المفاهيم والقيم الأخلاقية والروحية مع الديانات الابراهيمية سواء في نظرتها إلى الخالق أو في دعوتها للسلام والتسامح والابتعاد عن الظلم
لقد فهمت من القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختلفين في دياناتهم ومذاهبهم كما يقول الحق ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة المائدة ٤٨ هذه الآية الكريمة توضح أن الله خلق البشر متنوعين ليختبرهم في أعمالهم وليس لتوحيدهم قسرا على دين واحد ولا ينقص الله شيئا لو جعل جميع مخلوقات الأرض مسلمين أو مسيحيين أو هندوسا أو بوذيين ما يهم الله هو الإيمان به واليوم الآخر والعمل الصالح
يؤمن الإيزيديون بإله واحد خالق للكون وهو ما يتقاطع بشكل واضح مع مبدأ التوحيد في الإسلام ويعتبر الملك طاووس في الديانة الإيزيدية بمثابة الملك جبريل عليه السلام في الإسلام وهو الملاك الذي أوكله الله لتبليغ رسالته للبشر تماما كما أرسل الله ملائكته سابقا إلى نوح وقوم لوط وإبراهيم وبعض الأنبياء الآخرين
تحتوي الديانة الإيزيدية على المصحف الأسود او (مصحف رش) الذي يمكن مقارنته بالفرقان في الإسلام وقد قال الله سبحانه وتعالى سبحان الذي أنزل الفرقان نذيرا للعالمين الفرقان ١ وإنا أنزلنا القرآن رحمة للعالمين الأنبياء ١٠٧ لتوضح هذه الآيات أن الفرقان لم يكن خاصا بنبي واحد فقط بل نزل على أنبياء سابقين على شكل صحف لقوله تعالى إن هذا لفي الصحف الأولى الآية ١٨ من سورة الأعلى مثل صحف شيت وإدريس وإبراهيم وموسى عليهم السلام وقد تجلّى اسم “الفرقان” في التنزيل الحكيم ثلاث مرات، مرةً في ثوب الحكمة، ومرةً في الوصايا العشر، ومرةً في الصراط المستقيم؛ ليبقى نورًا يهدي العقول قبل القلوب، ويجمع رسالات الله في كلمةٍ واحدةٍ من الحق والعدل.
إن العلاقة بين الملك طاووس وجبريل عليه السلام تظهر من خلال هذه الفكرة أن الله كان يرسل ملائكته بدلا من البشر سابقا لتبليغ رسالته إلى الأقوام كما حدث مع نوح ولوط وإبراهيم وغيرهم لذلك يمكن فهم الملك طاووس كرسول إلهي للإيزيديين بنفس الدور الذي قام به جبريل مع المسلمين
الخلاصة:
أكد الله سبحانه وتعالى في التنزيل الحكيم شمولية رسالته لكل من آمن به وعمل صالحًا فقال:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الآية 69 من سورة المائدة ويذكر هنا مرة ثانية في اية اخرى
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِِٔينَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ. سورة البقرة الآية 62
وفي هاتين الآيتين كلمة الصابئون و وَٱلصَّٰبِِٔينَ لها معنى مختلفين تماما: فهي في المرة الأولى تشير إلى إخواننا من قوم يحيى عليه السلام وفي المرة الثانية تشير إلى بقية الملل والديانات الأخرى في العالم مثل الإيزيديين الزرادشت الهندوس السيخ البوذيين وكل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا. أي أن الله لم يقتصر في رحمته على شعوب الشرق الأوسط فقط بل يشمل كل البشرية المؤمنة الصالحة. واللة يشهد على مااقول.