شرم الشيخ… القشّة التي كسرت ظهر الولاية الثانية..!

ضياء ابو معارج الدراجي

لم يكن مؤتمر شرم الشيخ مجرّد فعالية دبلوماسية، بل حدثًا سياسيًا ذا طابع حساس حمل في طياته مشروعًا معلنًا لـ تطبيع العلاقات العربية–الإسرائيلية، وبحث حلّ الدولتين وسبل إيقاف القتال في غزة، تحت مظلة ما سُمِّي بـ “السلام الإقليمي”، وبرعاية مباشرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ورغم أن المؤتمر لم يشهد حضورًا إسرائيليًا رسميًا، إلا أن جدول أعماله وتصريحات قادته أوحت باتجاهٍ سياسي واضح يرمي إلى تهيئة الأرضية لتقارب عربي–إسرائيلي موسَّع.

وفي خضم هذا السياق، بدت مشاركة العراق خطوة غير موفّقة من حيث التوقيت والمضمون، لأنها وضعت الدولة في موضع تأويلٍ سياسي يصعب الدفاع عنه أمام الرأي العام الداخلي، الذي يرى في أي شكل من أشكال التطبيع خروجًا على الثوابت الوطنية ومبادئ العراق التاريخية في دعم القضية الفلسطينية.

حتى مع افتراض أن المشاركة جاءت بدافع إنساني أو بروتوكولي لدعم جهود وقف إطلاق النار في غزة، فإن رمزية المشهد السياسي كانت أقوى من التبرير، وأثارت ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء.

في الداخل، جاءت ردود الفعل من التيار الصدري وائتلاف دولة القانون أكثر تحفظًا، إذ اعتبرا أن المشاركة في مؤتمرٍ يرفع عناوين التطبيع هي رسالة مقلقة تُضعف الموقف العراقي المتوازن الذي بُني بصعوبة خلال السنوات الماضية.

وهنا برزت التساؤلات من جديد حول الخيارات السياسية للحكومة ومدى دقتها في حساب التوقيت والنتائج.

فـ قرار الحضور في شرم الشيخ لم يكن منفصلًا عن سلسلة قرارات داخلية أخرى اتُّخذت في أوقات ومراحل غير مناسبة، وأدت مجتمعةً إلى تآكل الرصيد السياسي والوطني للحكومة.

قرارات كان يمكن أن تُقرأ كخطوات إصلاحية لو تمّت في ظروف مختلفة، لكنها اليوم تُفسَّر على أنها اندفاع سياسي غير محسوب أضعف الثقة بين الحكومة وحلفائها قبل جمهورها.

لقد أظهر مؤتمر شرم الشيخ أن الولاية الثانية لرئيس الوزراء الحالي أصبحت شبه مستحيلة، ليس فقط بسبب الحدث الخارجي، بل لأن التراكم في الأخطاء والتوقيتات الخاطئة جعل الصورة العامة تميل إلى فقدان الانسجام مع المزاج الوطني العام.

فالعراق لا يُقاس بمجاملة المؤتمرات، ولا تُقاس السيادة بعدد المقاعد في القمم، بل بمدى ثبات الموقف حين تمتحنه اللحظات الحرجة.

باختصار…
شرم الشيخ لم يكن مؤتمرًا عاديًا، بل منعطفًا سياسيًا سيُسجَّل كواحدٍ من أكثر المحطات حساسية في عمر هذه الحكومة.

هو القرار الذي لم يُحسب بدقة، وجاء امتدادًا لقرارات داخلية متسرعة اتُّخذت في أوقات غير مناسبة، فشكّلت معًا القشّة التي قصمت ظهر الولاية الثانية.

ضياء ابو معارج الدراجي