نواب مال موسم.. وينهم بعد الفوز؟

بقلم: م م – حسين شكران الأكوش العقيلي – كاتب ومؤلف. –

في كل دورة انتخابية، نشهد مشهدًا متكررًا يكاد يتحول إلى طقس موسمي مألوف: انتفاضة مفاجئة للمرشحين والنواب، حركة ميدانية نشطة، زيارات مفاجئة، ووعود تتدفق كالسيل، وكأن عجلة الإصلاح لا تدور إلا في موسم الاقتراع. يخرج البعض من سباتهم الطويل، يلبسون ثوب القرب من الناس، ويتحدثون بلغة الشارع، يوزعون الابتسامات والوعود، ويجيدون فنون الخطابة والتصوير، حتى يخال للناس أن التغيير بات قاب قوسين أو أدنى.
لكن ما إن تُطوى صناديق الاقتراع، وتُحسم النتائج، حتى يعود الصمت إلى المشهد، ويغيب أولئك الذين ملأوا الدنيا ضجيجًا في أيام الحملة. لا أثر يُذكر، ولا تواصل يُحترم، وكأن العلاقة مع الجمهور كانت مشروطة بتاريخ انتهاء الصلاحية. يتحول النائب من ممثل للشعب إلى متوارٍ خلف الأبواب المغلقة، لا يُرى إلا في نشرات الأخبار أو في مواسم الانتخابات القادمة.
هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك فردي، بل تعكس أزمة أعمق في فهم مفهوم النيابة العامة والخدمة السياسية. فالنائب الذي يرى في المنصب غنيمة لا رسالة، وفي الجمهور وسيلة لا شراكة، لا يمكن أن يكون ركيزة لبناء دولة عادلة. إن اختزال العمل النيابي في موسم انتخابي هو خيانة لثقة الناس، وتفريغ للديمقراطية من مضمونها الحقيقي.
المؤسف أن بعض المرشحين باتوا يتقنون فنون التجميل السياسي، فيصنعون لأنفسهم صورة براقة في موسم الانتخابات، مدعومة بجيوش إلكترونية ومنشورات مصممة بعناية، بينما الواقع الخدمي والتشريعي يشهد على غيابهم التام. لا متابعة لقضايا الناس، ولا رقابة حقيقية على أداء الحكومة، ولا تشريعات تُلامس هموم المواطن.
إن هذا السلوك الموسمي لا يسيء فقط إلى صورة النائب، بل يضعف ثقة الناس بالعملية السياسية برمتها. فحين يشعر المواطن أن صوته لا يُثمر، وأن النائب لا يُمثل، تتآكل شرعية المؤسسات، ويترسخ الإحباط، وتُفتح الأبواب أمام الشعبوية واللامبالاة.
المطلوب اليوم ليس فقط محاسبة النواب بعد فوزهم، بل إعادة تعريف العلاقة بين النائب والناخب. علاقة تقوم على الشفافية، والاستمرارية، والالتزام الحقيقي بخدمة الناس، لا على الظهور الموسمي والوعود المؤقتة. فالنائب الصادق لا يحتاج إلى موسم ليخدم، ولا إلى كاميرا ليثبت وجوده، بل يحمل همّ الناس في كل حين، ويجعل من موقعه منبرًا للحق لا منصة للظهور.
إننا بحاجة إلى وعي جماهيري يميز بين من يخدم فعلاً ومن يتجمّل قولًا، وإلى ثقافة انتخابية ترفض النائب الموسمي، وتُكرّم من يثبت حضوره في الميدان لا في الصور. فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالرجال الذين يواصلون العمل بعد أن تُطوى اللافتات وتُزال البوسترات.
وفي الختام، فإن مسؤولية التغيير لا تقع على النائب وحده، بل على كل مواطن يملك صوتًا وضميرًا. فكما نُحاسب من غاب، علينا أن نُكافئ من حضر، وأن نُعيد الاعتبار للنيابة كأمانة لا كامتياز، وكخدمة لا كمنصب.