قراءة في جولات الصراع الانتخابي..!

محمد شريف ابو ميسم

شهد الرأي العام العراقي صعودا لافتا في منسوب الخطاب الطائفي خلال فترة الحملات الانتخابية، وتجلت الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية في خطابات بعض المرشحين والقوى المتنافسة، فيما زاد الضجيج الذي يوظف الأحداث الآنية بشكل طغت عليه التعمية على مواقع التواصل الاجتماعي في غياب واضح للبرامج ذات المساس المباشر بتحديات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومرت مرور الكرام أحداث وتصريحات مهمة في منطقة الشرق الأوسط، ذات صلة واضحة بمستقبل بلادنا، دون أن يكون للمتنافسين رأي فيها.

اذ انشغل الشارع العراقي بالخطاب الطائفي حد الوجع، دون مراعات للعقل والمنطق، وتم توظيف المعطيات والأخبار والشؤون الخاصة في المغالطات والمحاولات التسقيطية، واستخدمت ملفات كبيرة وشائكة، بشكل مقصود في سياق التعمية، كما في ملف المديونية، الذي تجاهل فيه المتنابزون،

أن العراق قام بتسديد جميع ديون صندوق النقد الدولي قبل بضعة أشهر، وبقي بذمته نحو ٤٠ مليار دولار ديون من مرحلة النظام المباد، أغلبها لصالح دول الخليج، ونحو ١٠ مليارات دولار لصالح البنك الدولي الذي وظفها داخل العراق بصفة مشاريع خاضعة لرقابته،

ونحو ستة مليارات دولار ديون من سنوات سابقة.

أما الدين الداخلي، الذي لجأت اليه الدولة خلال التوسع في الانفاق، فقد كان خيارا وحيدا في ظروف العجز، بوصفه دينا بالعملة المحلية، ولا يشكل خطراً على أسعار الصرف نتيجة زيادة الطلب على العملات الأجنبية كما هو الحال عند سداد الديون الخارجية، فضلا عن مساهمته بشكل أو بآخر في تحفيز الكتلة النقدية المكتنزة على الاستثمار في السندات الصادرة، الأمر الذي انسحب إيجاباً على حركة السوق واسعار الصرف، وساهم بشكل غير مباشر في السيطرة على مؤشرات التضخم.

واحيطت أزمة المياه بالتعمية أيضا، بعد انحسار منسوب مياه دجلة، جراء عدم التزام الجانب التركي بالحصة المائية للعراق، ليكون دعاية مضادة ووسيلة لتضليل الرأي العام، في ظل تجاهل واضح لملف حرب المياه الذي تقف خلفه الشركات التي تحكم العالم، وتجاهلا واضحا لمشروع “الكاب” الذي مولته تلك الشركات وهي بصدد اعداد الأدوات لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ولم تتطرق القوى المتنافسة لهذا المشروع الذي يتكون من 22 سدا على روافد دجلة والفرات يتقدمها سد أليسو العملاق على نهر دجلة، ولم تعلن موقفها الوطني من هذا الملف لذر الرماد في العيون على أقل تقدير، مثلما انسحبت بعض الجهات الدولية التي شاركت بمشروع “الكاب” للاعتراض على الأضرار التي سيلحقها المشروع بالعراق وبالمناطق الأثرية في جنوب هضبة الأناضول،

الا ان العمل بقي متواصلا حتى اكتملت ملامح التحكم بمصادر المياه في العراق، مثلما تحكمت تلك الشركات بمياه نهر النيل عبر بناء سد النهضة في أثيوبيا، لتكون الأراضي الممتدة من النيل إلى الفرات، تحت الشعار الصهيوني “من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة الصهيونية الكبرى».

وغضت بعض القوى المتنافسة الطرف عن التحول في شكل التعاطي الأميركي مع المشهد العراقي، وهو يتجاوز الخطوط الدبلوماسية، بعد تعيين “مارك سافايا” مبعوثا خاصا إلى العراق، في اشارة واضحة لفرض الوصاية الأميركية، فيما ذهب البعض منها للتبشير بالمتغيرات التي يمكن أن يصنعها هذا المبعوث لصالحها، وطبّلت لتوجهات على الضد من الارادة الوطنية، في نفس الوقت الذي لم نسمع فيه تعليقا واحدا على ما جاء في حديث الرئيس الأميركي “ترامب” أمام الكنيست الاسرائيلي في الثالث عشر من تشرين أول الماضي، والذي بشّر فيه وبشكل غير مباشر إلى ان الشرق الأوسط الجديد سيكون تحت الوصاية الصهيونية دون حروب.

وهنا لا بد من الاشارة إلى بعض القوى الوطنية التي عرضت برامج انتخابية وسياسية واقتصادية مهمة، وكانت على قدر المسؤولية من بعض هذه الأحداث، وبقيت ملتزمة بخطاباتها الوطنية في سياقات قانونية وهي تلاحق الأحداث وتدعو الناس للمشاركة من أجل التغيير.