كيف يتحوّل الخاسرون إلى حكّام؟

مفارقة لاتعرفها الديمقراطيات الحقيقية

خالد الغريباوي

ما نشهده في العراق خلال السنوات الأخيرة من ممارسات سياسية لا يمتّ بصلة إلى روح النظام البرلماني، ولا يشبه بأي شكل القواعد الراسخة التي تسير عليها الديمقراطيات المتقدمة. فلم يحدث يومًا في أي نظام برلماني محترم أن تتشكّل الحكومات من تحالفات خاسرة تجمّعت فقط لإقصاء الكتلة التي نالت ثقة الناس، والالتفاف على الإرادة الشعبية بعد إعلان النتائج. فالمنطق السياسي الواضح، كما تؤكده التجارب الديمقراطية الراسخة، ينصّ على أن الكتلة التي تفوز في الانتخابات هي التي تُكلّف بتشكيل الحكومة، لا تلك التي أسقطتها صناديق الاقتراع ولم تمنحها الجماهير حق القيادة.

وفي كل التجارب البرلمانية الرصينة، نجد أن الفائز بالانتخابات هو من يبدأ بتشكيل الحكومة ويحظى بالتكليف الأول، ففي بريطانيا يتسلم الحزب المتصدر للمقاعد مهمة تشكيل الحكومة مباشرة، وفي كندا تتجه القيادة التنفيذية إلى الحزب المتفوق في النتائج مهما كانت حجم الأغلبية، وفي الهند—أكبر ديمقراطية برلمانية في العالم—لا يُعطى هذا الحق إلا للكتلة الفائزة، فإن عجزت تُعاد الانتخابات بدلًا من تمكين الخاسرين. وفي أستراليا ونيوزيلندا وألمانيا وهولندا، تبقى هذه القاعدة أساسًا للحكم وحمايةً لشرعية الدولة وصوت الناخب.

أما في العراق، فالمشهد على النقيض تمامًا. تتحول القوى الخاسرة، أو تلك التي تراجعت شعبيتها، إلى لاعبين رئيسيين يجتمعون بين ليلة وضحاها ويمنحون أنفسهم صفة الأغلبية، متجاوزين الفائز ومتنكرين لصوت الناخب. وهذه ممارسة لا يمكن وصفها بالديمقراطية، بل هي تشويه صريح لمبدأ “من يفوز يحكم”، وتحويل للنظام البرلماني إلى مساحة صفقات لا علاقة لها بالتنافس الانتخابي.

ويُقال إن الشعب يتحمل جزءًا من المسؤولية لأنه انتخب هذه الوجوه، إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير؛ فالشعب أدّى دوره واختار من يراه أصلح، لكنّ المشكلة تكمن في النخب السياسية التي تعيد تفسير الدستور وفق مصالحها، وتصنع تحالفات طارئة هدفها قطع الطريق على الفائز وإعادة تدوير الخاسر ليصبح حاكمًا.

ولا توجد ديمقراطية حقيقية تُدار بهذه الطريقة، ولا نظام برلماني محترم يسمح للخاسرين أن يعتلوا سُدّة الحكم متجاوزين إرادة الشعب. فاحترام نتائج الانتخابات ليس تفصيلًا سياسيًا، بل هو أساس شرعية السلطة، وركنٌ من أركان بناء الدولة. وما لم تعد العملية السياسية إلى قواعدها الطبيعية—الفائز يحكم، والخاسر يذهب إلى المعارضة—فلن تستقيم الحياة الديمقراطية، ولن يؤمن الشعب بأن الانتخابات طريقٌ للتغيير الحقيقي