عرش الكلمة
كتب رياض الفرطوسي
الكتابة ليست نزوة عابرة،
ولا تمريناً لغوياً لقتل الوقت.
الكتابة موقف.
إما أن تولد من رحم رسالة،
أو تنبثق من حاجة داخلية للمتعة،
وتظل – في الحالتين – فعل نجاة.
الكاتب لا يكتب ليزيّن الواقع،
بل ليواجهه.
يؤرّخ تأملاته بوضوح جارح،
وبصدق لا يعرف التواطؤ.
مرّ الطغاة من هنا،
واحداً تلو الآخر،
كأسراب الجراد:
هتلر، صدام، القذافي، بن علي، ستالين، بينوشيه، فرانكو…
ضجيجهم كان عالياً،
وخرابهم كان واسعاً،
لكنهم جميعاً عبروا…
وبقيت الكلمات واقفة مثل شاهد قبر لا يكذب.
من الذي انتصر في النهاية؟
ليس صاحب الدبابة،
بل صاحب الجملة الدقيقة.
ليس من امتلك السجن،
بل من امتلك الشهادة.
الكتّاب، الأدباء، الروائيون، السينمائيون، المثقفون…
هؤلاء لم يملكوا القصور،
لكنهم امتلكوا الذاكرة.
والذاكرة هي السلطة الوحيدة
التي لا تنقلب عليها الجيوش.
الكاتب لا يكتب ليصفّق،
ولا ليُطَمئِن،
بل ليقول:
“هنا انكسر الإنسان”،
“هنا قاوم”،
“وهنا سقط الطغيان ولو بعد حين”.
نحن عابرون كوميض برق،
لمعة قصيرة في ليل هذا الوجود الطويل،
لكن ما نكتبه
ليس ومضة…
بل أثر.
فيض من الحبر
قادر أن يُغرق صحراء الزمن كلّها.
الطغاة يجلسون على عروش من رصاص،
تعلو قليلًا… ثم تتفتت.
أما الكلمة،
فعرشها من معنى،
والمعنى لا يشيخ،
ولا يُهزم،
ولا يُنفى.
على عرش الكلمة،
يجلس من نجا من النسيان.