رياض سعد
كان يخطئ كما يتنفّس … ؛ لا لشيء … ؛ إلا لأن التوقّف عن الخطأ … ؛ كان يبدو له ضرباً آخر من العبث .
يعرف الطريق… ؛ يعرف الحفرة … ؛ يحفظ شكل السقوط … ؛ عدد درجات الألم … ؛ وتوقيت الندم بدقّة مملّة … ؛ ومع ذلك ؛ كان يمشي كما لو أنّ المعرفة لا تعنيه … ؛ وكأن الوعي مجرّد شاهد زور في محكمةٍ لا تصدر أحكاماً …!!
كل مرة يقول : “هذه الأخيرة” ؛
وكان يسمع صوته كأنه صادر عن شخصٍ آخر،
شخصٍ ساذج بما يكفي ليصدّق النهاية،
ثم يبتسم للسقوط التالي
كما يُبتسم لموعدٍ قديم…
الحياة لم تكن خصماً له … ؛ ولا كانت حليفاً… ؛ كانت مجرّد آلة، ترمي له الوجوه نفسها بأسماءٍ مختلفة، والخيبات نفسها بتفاصيل متغيّرة …
وتراقب إن كان سيتعلّم… ؛ وكان لا يتعلّم …!!
لا لأنه لا يفهم ؛ بل لأن الفهم نفسه لم يعد يصلح لشيء…
كان يدخل العلاقات كما يدخل الإنسان غرفة يعرف سلفاً أنها بلا نوافذ … ؛ فيفتش عن الضوء
لا لأنّه يتوقّعه، بل لأن البحث ذاته صار عادةً لا يمكن الفكاك منها…
يسقط،
ينهض،
ينهض ليسير،
ويسير ليسقط،
دون أن يكتشف الفرق بين الحركتين.
وحين يُسأل:
لماذا تعود؟
لا يكون لديه جواب،
لا تبرير،
لا حكاية حزينة بشكل مقنع ،
لأن الحقيقة أبسط من أن تُحمَل:
هو يعود
لأن لا شيء يمنعه من العودة،
ولأن اللاجدوى لا تملك بوابة خروج…
لم يكن يبحث عن السعادة،
ولا عن الحقيقة،
ولا حتى عن ذاته،
كان فقط يملأ الوقت
بين خيبةٍ وأخرى،
كما تُملأ الفراغات في استمارة
لن تُقْبَل في النهاية…
حتى الألم…
لم يعد له طعم الاستثناء،
صار إجراءً روتينياً،
كغسل اليدين،
كترتيب الخسارة،
كإعادة القلب إلى وضعه الافتراضي
بعد كل تحطّم…
وفي لحظةٍ ما،
أدرك دون صدمة:
أن التكرار ليس لعنة،
بل هو النظام الوحيد
الذي تعمل به الأشياء،
وأن الإنسان لا يسير نحو نهايته،
بل يدور حولها
حتى يتعب الدوران.
وحين يقف أمام المرآة الآن،
لا يرى رجلاً أخطأ كثيراً،
ولا روحاً تبحث عن الخلاص،
بل يرى كائناً يؤدي دوره بإتقان:
يسقط في الموضع المحدّد،
ينهض في اللحظة المقرّرة،
ويعود إلى النقطة نفسها
كما لو أنّ الخط المستقيم
مجرّد وهم جميل.
هو لا يائس،
ولا حزين،
ولا غاضب…
هو فقط
موجود،
وهذا، في حدّ ذاته،
كان كافياً ليكون
شكلاً آخر من أشكال العبث.