نوفمبر 5, 2024
67335151_604

اسم الكاتب : أليستير والش / م. ع

كشفت دراسة حديثة عن أن فترات الجفاف القاسية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط ودامت ثلاث سنوات بات أكثر احتمالية بمعدل 16 مرة بسبب تغيرات المناخ. كما أن الدراسة تنذر بتائج مشؤومة، فما هي أبرز أوجهها؟

خلص علماء شاركوا في دراسة نشرت الأربعاء (8 نوفمبر/ تشرين الثاني) إلى أن تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم فترات الجفاف الشديدة في سوريا والعراق وإيران وجعلها أكثر احتمالية. وتشهد المنطقة منذ عام 2020 انخفاضا شديدا في هطول الأمطار مع استمرار  ارتفاع درجات الحرارة مما أسفر عن حدوث فترات جفاف أدت إلى نزوح ملايين الأشخاص وتدمير محاصيل زراعية وزيادة مخاطر انعدام الأمن الغذائي.

وخلال الدراسة، عكف باحثون من منظمة “وورلد ويذر أتريبيوشن” على دراسة المناطق المتضررة جراء الجفاف في حوض نهري دجلة والفرات الذي يمتد عبر سوريا والعراق وإيران. وكشفت الدراسة عن أن  ارتفاع درجات الحرارة  الناجم عن تغير المناخ، جعل الجفاف أكثر احتمالية بمعدل 25 مرة في سوريا والعراق وبمعدل 16 مرة في إيران. وتعد “وورلد ويذر أتريبيوشن” ذا ثقل علمي كونها كيان أكاديمي متخصص لدراسة الظواهر المتطرفة وتأثير تغير المناخ التي تزداد ضراوة.

وقال الباحثون إن   موجات الحر الشديدة  فاقمت من حدة فترات الجفاف التي تحولت على مقياس رصد الجفاف الأمريكي من مستوى الجفاف الطبيعي إلى الجفاف المتطرف. ووجد هؤلاء أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى تبخر المزيد من الماء من التربة والنباتات مما يزيد من خطورة الجفاف واحتمالية حدوثه، لكن لا يبدو أن تغير المناخ يتحمل المسؤولية الوحيدة إزاء ذلك. وأضاف الباحثون أن الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم والنفط والغاز يعد أكبر مساهم في ظاهرة التغيرات المناخية.

نقص الدراسات

وفي ذلك، قال عالم المناخ بن كلارك الذي شارك في تأليف الدراسة إن نتائجها سلطت الضوء على تداعيات   ظاهرة تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط التي تعد معرضة للخطر، ورغم ذلك فإنها تعاني من نقص في الدراسات والأبحاث ذات الصلة. وفي مقابلة مع DW، أضاف بن كلارك، الباحث في معهد جرانثام لبحوث تغير المناخ والبيئة في إمبريال كوليدج ببريطانيا، أن “وقع نتائج الدراسة كان مفاجئا خاصة فيما يتعلق بمقاومة الانزلاق في مسار درجات الحرارة الأكثر سخونة في المنطقة”. وأشار إلى أن نتائج الدراسة سوف تلقي بظلالها على مفاوضات الخسائر والأضرار في مؤتمر المناخ “كوب  28 ” المقبل في دبي.

يعود مصطلح “الأضرار والخسائر”  إلى عام 1991 حيث صاغه تحالف الدول التي تقوم على الجزر الصغيرة خلال  مفاوضات المناخ  في جنيف، مع اقتراح خطة تأمين ضد ارتفاع منسوب مياه البحر بما يشمل تحمل الدول الصناعية التكاليف. بيد أنه لم يتم بحث هذا الأمر بجدية إلا في عام 2013 خلال قمة المناخ التاسعة عشرة في بولندا حيث جرى إنشاء الآلية الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بآثار تغير المناخ بهدف مواجهة ومعالجة هذه القضية.

ورغم مرور أعوام على ذلك، إلا أنه لم يتم إحراز سوى القليل في هذا الصدد، فيما تتحمل البلدان المتقدمة تاريخيا المسؤولية الأكبر عن  الانبعاثات المسببة  لما يُعرف بالاحترار العالمي، لكنها رفضت في السابق فكرة إنشاء صندوق “للخسائر والأضرار” خوفا من أن تلك الخطوة قد تحملها المسؤولية عن كافة ظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن التغيرات المناخية. في هذا السياق، قال بن كلارك إن “تعزيز القدرة على الصمود أمام الجفاف في مجال المياه في أسرع وقت سيكون له التأثير الرئيسي لبقاء السكان في هذه المنطقة”.

الجدير بالذكر أن الشعب السوري عانى على وجه الخصوص من التهديدات المتعلقة بالمياه سواء جراء النزوح الكبير للسكان بسبب الانتفاضة بداية من عام 2011 أو بسبب سوء إدارة الموارد المائية وتردي البنية التحتية وحتى استخدام المياه كسلاح حرب، فيما أدت مشاريع السدود التركية إلى انخفاض مستويات نهر الفرات بشكل فاقم الوضع ليس في سوريا وحدها وإنما أيضا في العراق. وحذرت الدراسة من حدوث  فترات جفاف قوية مماثلة لما حدث في الماضي بمعدل مرة واحدة على الأقل كل عشر سنوات في سوريا والعراق ومرتين في إيران مع تفاقم الوضع جراء ارتفاع درجة الحرارة العالمية.

وقال فريدريك أوتو، المؤلف المشارك في الدراسة، في بيان “سوف تتفاقم  فترات الجفاف  وسوف تستمر حتى نتوقف عن حرق الوقود الأحفوري”. وأضاف: “إذا لم يتفق العالم على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في مؤتمر كوب 28، فسوف نخسر جميعا وسوف يعاني المزيد من الناس من نقص المياه ما يعني ترك المزيد من المزارعين مناطقهم وسيدفع الكثير من الناس المزيد لشراء المواد الغذائية في المتاجر”.

الأمن الإقليمي

يشار إلى أن مؤسسة بروكينجز غير الربحية دقت ناقوس الخطر إزاء تداعيات  ظاهرة تغير المناخ  في الشرق الأوسط، حيث قالت إن منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الأكثر عرضة لخطر تغير المناخ خاصة في ضوء الوضع الأمني الهش الذي يعصف ببعض بلدانها. وكانت إيران قد شهدت هذا العام موجات حرارة قاتلة تجاوزت عتبة الـ 51 درجة مئوية فيما أدى نقص المياه إلى اضطرابات واحتجاجات بين السكان فضلا عن التسبب في توترات إقليمية وعمليات نزوح داخلية واسعة النطاق.

وأظهرت دراسات سابقة أن  تغير المناخ  قد أدى بالفعل إلى تفاقم الأحداث المناخية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك موجة الحر في البحر المتوسط والفيضانات في نيجيريا وغرب أفريقيا والجفاف في نصف الكرة الشمالي والفيضانات في باكستان. وقد أدى استمرار عمليات حرق الوقود الأحفوري إلى ارتفاع حرارة الكوكب بمقدار 1.2 درجة مما أدى إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة.

وقالت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن الزيادات الطفيفة في درجات الحرارة سوف تتسبب في حدوث ظواهر مناخية متطرفة بوتيرة أسوأ في جميع أنحاء العالم.  وكانت دول العالم قد قطعت على نفسها تعهدا بالحد من   ارتفاع درجة حرارة الأرض  في نطاق 1.5 مئوية، لكن علماء يرجحون تصاعد درجات الحرارة في العالم لتتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية خلال السنوات القليلة المقبلة. ورغم ذلك، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن حلول مواجهة تداعيات ظاهرة تغير المناخ مازالت في أيدي البشر إذ بإمكانهم تحقيق هدف 1.5 درجة.

وأضاف “الفرصة التي أمامنا لتجنب الأسوأ – أي الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية – تضيق بسرعة، لكنها لم تغلق بعد وهذه هي النقطة الحاسمة.. لدينا كافة الوسائل والتكنولوجيا، لذا فلا مكان للأعذار”.     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *