اسم الكاتب : رياض سعد
العراقيون عاشوا ولا زالوا في التيه ؛ لا يعرفون هويتهم الحقيقية , هل هم عرب ام لا , مسلمين او لا , سنة ام شيعة , يهود مسيح صابئة ايزديين … الخ , عجم او ترك او كرد … ؛ بل لا يعلمون اين تنتهي حدود وطنهم الذي تنسلخ منه كل يوم اراضي وحدود لصالح دول الجوار ؛ هل وطنهم ايران الشيعية او تركيا العثمانية او الوطن العربي ؟ و هل هم امة عراقية او امة عربية؟، هل هويتهم عراقية او عربية او ايرانية او عثمانية ؟
لعل البعض يظن ان هذا السؤال فيه تدليس وتشويش , والاجابة عليه معروفة وبديهية , الا ان معطيات الواقع ومخرجات الاحداث تشير الى خلاف هذه الاجابة , فالكل في حيص بيص , وكلا يجر النار الى قرصه , وكأنهم اتفقوا على ان لا يتفقوا , ولعل هذا الخطر يشكل تهديدا وجوديا للعراق والامة العراقية اشد من خطر الاعداء الخارجيين بمئات المرات , فمن لا هوية له اصبح مطية للأعداء , ومن لا مشروع له اصبح مشروعا للآخرين .
ومن اوضح الادلة على ما ذكرناه انفا ؛ السياسة المنكوسة للفئة الهجينة والطائفة السنية الكريمة في العراق , والحركات القومية والعروبية والبعثية ؛ فقد سخرت كل موارد العراق لمواطني الدول العربية – والذين بعضهم ينحدر من جذور اجنبية والبعض الاخر بالكاد يستطيع النطق بالعربية – , وفتحت ابواب العراق لهم , وجاؤا الى العراق وحدانا و زرافات لينهلوا من ماء الفراتين وينهبوا خيرات بلاد النهرين , ويتعلموا في جامعات الوطن مجانا , ويقدم لهم الطعام والشراب والسكن بلا ثمن , بالإضافة الى عمل الملايين منهم في وظائف القطاع العام والخاص وتعيينهم في اهم مؤسسات الدولة بما فيها الاجهزة القمعية , وقد حول هؤلاء الغرباء والدخلاء الاموال العراقية الطائلة الى بلدانهم وشعوبهم واهاليهم ؛ وقدم لهم النظام الهجين الامتيازات الكثيرة حتى تطاول الغرباء على ابناء البلد العراقيين الاصلاء ؛ بينما كان العراقي يعاني الامرين ويقاسي هموم الحياة والام وفواجع الحروب الصدامية والاعتقالات التعسفية … ؛ وكل هذه الجيوش الجرارة من العمالة الاجنبية والغريبة لم تطور العراق بالمستوى المطلوب ولم تترك اثارا عمرانية او صناعية تذكر ؛ بل على العكس من ذلك جلبت معها العديد من الظواهر السلبية والسلوكيات الهابطة وارتكبت مختلف الجرائم الجنائية .
على العكس من دول الخليج والتي تعتبر موطن العرب الاول , وفقا للرؤية البعثية والقومية المنكوسة والباطلة ؛ فقد ادار الخليجيون ظهورهم لقضايا العرب ولم تخرج مظاهرة واحدة في السعودية ضد اسرائيل قط , ولم يسخروا ثرواتهم للعرب , بل استغلوا اموال البترول لبناء بلدانهم وتطوير دولهم وترفيه شعوبهم , وعمل الاخرون في بلادهم كالعبيد الاذلاء بما فيهم سكان الدول العربية الاخرى ؛ فعاش البدوي الخليجي ملك في الصحراء ؛ بينما انفق البدوي العراقي امواله في خدمة قضايا الوطن العربي الوهمي الكبير , وبالتالي ظل البدوي العراقي بدويا بدائيا بائسا جائعا محروما اشعثا اغبرا ؛ اذ لم يستفد من ثروات ارضه وخيرات بلاده .
ولا يوجد فرق بين البدوي والمواطن الخليجي وبين البدوي والمواطن العراقي في عهد الحكومات الهجينة والقومية ؛ سوى ان الاول يعيش بجسده وعقله وعواطفه في بلاده وارضه وتنفق حكومته اموال بلاده عليه , بينما يعيش الثاني بجسده فقط في العراق , واما عقله وعواطفه فمغروسة في بلاد العرب المترامية الاطراف , وحكومته تسخره لخدمة الامة العربية وتنهب ثرواته وخيراته لتتبرع بها للدول العربية …!!
ولم يقف الامر عند هذا الحد ؛ اذ قامت الدولة العراقية المعاصرة وبرعاية الانكليز بمنح بقايا العثمنة والعجم والغرباء والدخلاء والمهاجرين الاجانب ورعايا الاحتلال البريطاني الجنسية العراقية وكذلك فعل النظام القومي والبعثي , وذلك بغضا منهم بالأغلبية العراقية الاصيلة , ولإحداث التغييرات الديموغرافية والطائفية والتي تصب في مصلحة الاقلية المرتبطة بالاحتلال العثماني سابقا وبالبريطاني لاحقا …. وبالتالي اكتسب الوافدين من غير العراقيين (العرب، الشركس، العجم، التركمان، الارناؤوط , الارمن , الاثوريين , الكرد , الداغستان , الشيشان , الجورجيين , المماليك … الخ ) الجنسية العراقية , وتسموا بهذا الاسم (العراقي ) قانوناً وليس حقيقة و واقعا ، واخفيت وثائقهم الاصلية وتم التعتيم على جذورهم غير العراقية … ؛ ولا زالت عمليات تجنيس الغرباء والدخلاء والاجانب قائمة لإلحاق افدح الاضرار بالعراق والامة والاغلبية العراقية ولاسيما سكان الجنوب والوسط , لذلك رفضت الفئة الهجينة ولا زالت الانتماء للأغلبية العراقية الاصيلة او الاعتزاز بثقافتها وتاريخها ,وتشبثوا بالنسب العربي – زورا وكذبا – و تغنوا بامجاد الامة العربية تارة وبالأمة الاسلامية اخرى , اذ ربطوا وطنيتهم المزيفة بالخارج , وذلك لانعدام الوشائج والاواصر الحقيقية بينهم بين الهوية الوطنية العريقة و العراقيين الاصلاء , ولوجود مشكلة لديهم بالانتماء للهوية العراقية الاصيلة … ؛ لذا كانوا يصدعون اسماعنا بان النفط ليس ملكا للعراقيين بل ملك لكل العرب … ؛ وعليه ليس كل العراقيين عرب ولا كل العرب عراقيين ؛ فبعض العرب جاؤا من الجزيرة الى العراق قبل عقود من الزمن وهجراتهم موثقة وبعضهم رجع الى السعودية ؛ و ليس كل من سكن العراق وحصل على الجنسية عراقي بالمعنى الحقيقي لهذا الكلمة الا انه قد يكون عراقيا وفقا للقانون الذي شرعه العملاء تنفيذا لمخططات الاعداء .
ان العراقي الاصيل العريق والمواطن ( المستعرق ) لا وطن له سوى العراق فهو الاول والاخر , يعلو ولا يعلى عليه , اما ابناء الفئة الهجينة والمجنسين حسب القانون الذي وضعه العملاء , فهم ينتمون الى شتى البلدان والقوميات والاوطان الا العراق , ويفضلون الاجانب والغرباء والدخلاء على العراقيين الاصلاء , لان شبيه الشيء منجذب اليه , فهو تارة يدعي انتماءه للامة الاسلامية وتارة للوطن العربي , فهو ينتمي لعالمين مختلفان , وطن عراقي و وطن عربي واسلامي ؛ وازدواجية الانتماء وتغييب الهوية ؛ جعلته يفكر في خدمة هموم ذلك الوطن السرابي وقضايا شذاذ البلدان الناطقة بالعربية او المعتنقة للديانة الاسلامية , ويتناسى قضايا وطنه ولا يفكر بأزمات ونكبات ومشاكل بلاده ؛ ويهمل مستقبل البلاد والعباد ؛ فنشبت بسبب هذه الرؤية المنكوسة والعقلية المنحرفة ؛ حروب الوكالة والنيابة والدفاع عن اعراب الصحراء وعرب الخليج , وسقط الملايين من العراقيين جراء الحروب والاعتقالات والإعدامات والمقابر الجماعية والحصار والجوع والامراض , و تفشت البطالة وازمة السكن وانهيار التعليم والصحة والبنى التحتية … الخ .
لذلك نلاحظ ان اغلب الاشخاص والجماعات التي عملت مع الاحتلال العثماني ثم البريطاني ؛ تشبثوا بالدعوات الدينية والقومية وتجنسوا بالجنسية العراقية الا انهم لم يتمسكوا بالهوية والامة العراقية ولم يقولوا نحن عراقيون اصلاء او قدامى او ابناء حضارات بلاد الرافدين … ؛ لانهم يعرفون انهم غرباء عن هذه البلاد بأشكالهم وسماتهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم وتاريخهم .
وعندما سيطر القوميون والبعثيون على الحكم , تنازلوا عن الكويت العراقية وتبرعوا بالأراضي العراقية لصالح دول الجوار العربية وغير العربية ايضا , ثم تخبطوا بتصرفاتهم الرعناء والتي تعكس ازدواجية الهوية لديهم , فبعد ان ادعوا حماية الحدود العربية هجموا عليها , وبعد ان مدوا يد العون للأنظمة العربية , تبرئوا منها واعلنوا الحرب ضدها , واما بخصوص القضية الفلسطينية فقد خدموا اسرائيل بشتى الطرق الملتوية ومنها اغتيال العناصر الفلسطينية المناوئة لإسرائيل و دفع التعويضات الطائلة لإسرائيل جراء سقوط الصواريخ الشكلية الفارغة على الصحاري والتي لم تقتل إسرائيليا واحدا , بالإضافة الى تكفل العميل الهجين صدام بإعانة واعالة الفلسطينيين تخفيفا عن كاهل اسرائيل … ؛ وفي الوقت نفسه حاربوا التراث العراقي الاصيل ونبذوا اللهجة الجنوبية , والغوا كافة المعلومات التي تشير للتاريخ العراقي الحقيقي وتسلط الاضواء على الهوية الرافدينية الاصيلة من مناهج التعليم، والتي افرغوها من اي شيء ممكن اي يحيى الهوية الوطنية ويجذر الانتماء العراقي في قلوب المواطنين والسكان .
وفي الخلاصة اقول : من سابع المستحيلات ان يستقر العراق وتتطور البلاد ما لم يتم تطهير الوطن من هذا الخط المنكوس ؛ مع الايمان بالأمة والهوية العراقية ؛ اذ لا يمكن مواجهة أيدولوجيات العملاء والحمقى والسذج البلهاء الخارجية و العابرة للحدود الا بايدلوجيا داخلية عراقية مضادة تغرس الروح الوطنية والهوية العراقية في نفوس المواطنين .