اسم الكاتب : رياض سعد
ومما عاب به اهل الجنوب هذا الزنيم المجهول في تفاهته او مقالته ؛ قوله : (( … بعدهم عن التمدن والحضارة … )) ؛ ولا أدري ماذا يقصد هذا المعتوه الرخيص بقوله المنكوس هذا , هل يعني به سكان الجنوب الاوائل والقدامى ام المعاصرين منهم ..؟؟
الا يعلم هذا الوزغ ان مناطق الجنوب شهدت العديد من الحضارات الإنسانية، ومنها الحضارة السومرية والحضارة الاكدية والحضارة البابلية ومملكة ميسان ؛ فمن هذه الارض المباركة المعطاء تعلمت البشرية الكتابة والقراءة … ؛ و تحول العراق بعد الغزو الاعرابي والدعوة الاسلامية إلى مركز سياسي وعلمي مهم ايضا ، فكانت البصرة وتوابعها من الشواهد على ذلك بالإضافة الى واسط وباقي مدن وقرى الجنوب … ؛ اذ عدت البصرة أول مدينة إسلامية بنيت خارج الجزيرة العربية، وتم التخطيط لها لتكون واحدة من أكبر وأشهر مدن العراق، وكانت تدعى «قبة الإسلام»، ومستقر المسلمين في العراق ، بناها عتبة بن غزوان سنة 14ه ، وصارت مدينة الإسلام، ومحل الصحابة، والتابعين ، والمجاهدين والمقاتلين العرب والاعراب المهاجرين والعراقيين .
وكانت البصرة قبل الإسلام ميناء من موانئ العراق ، ونزلها العرب منذ القدم ، كما كان فيها النبط – السكان الاوائل – , وكانت هي، والإبلة مركزين للتجارة الداخلية ، والخارجية، وكان يرتادها تجار العرب وغيرهم .
و يوماً بعد يوم، غدت البصرة من الحواضر المهمة التي قل أن تماثلها بلدة بحسن عمارتها، وعظمة بنائها، وبهائها ، فهي من أشهر المدن، وأكثرها أدباً، وعلماً، وتجارة، وعزاً، وأجلها شأناً، وأبهجها مركزاً، لاسيما في العصر العباسي، وكانت ثاني مدينة في العراق بعد بغداد التي أصبحت عاصمة الدولة العباسية، فكانت مركز التجارة بين العراق، والبلاد الأخرى.
كما كان للبصرة دور كبير في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية، فقد كانت مساجدها ومدارسها تعج بحركة العلماء، والفقهاء، والأدباء , وخرج منها فطاحل علماء المسلمين، واشتهرت بأئمة المعتزلة وحركات الزندقة والفكر والتنوير , وظهرت فيها في القرن الرابع للهجرة مدرسة شهيرة ذاع صيتها في الآفاق، وعرف أصحاب هذه المدرسة بإخوان الصفا, وأطلق على البصرة قبة الإسلام ، وكانت تناظر الكوفة في المذاهب العربية ، وهو أمر مشهور في كتب النحاة … بالإضافة الى انها ارض الثورات والانتفاضات .
نعم عندما دخل اجدادك واسلافك الرعاع المغول والقبائل التركمانية الهمجية ومن بعدهم العثمانيون الاتراك ومرتزقتهم – من شذاذ الافاق والمأبونين – ؛ العراق تدهورت الاوضاع العامة ودمرت المدن والقرى وانهارت الحضارة وتقهقرت المدنية في الجنوب بل و في العراق كله .
حكم العثمانيون العراق زهاء أربعة قرون تعثر في غضونها تطوره الاجتماعي والاقتصادي إلى حد كبير ، فتخلف عن الركب بعد أن كان يتقدمه طيلة عصري التاريخ القديم والوسيط , وظواهر التخلف هذه كانت متجسدة في الريف كما في المدينة ، حتى غدا المد البدوي الذي شمل العراق في العهد العثماني ((اشد وطأة من جميع عهوده السابقة ، اذ لم يشهد المجتمع العراقي عبر تاريخه الطويل حقبة سيطرت فيها القيم البدوية كتلك الحقبة )) (1) , اما مدنه التي كانت مضرب الأمثال في الماضي القريب و البعيد فأنها غدت لا تحظى بأهمية تذكر سوى كونها نقطة مرحلية للقوافل ، او سوق للمنتجات الزراعية ، او مقر لقوات الباب العالي ، او محطة لتزويد البواخر النهرية بالوقود ، او مركز اتصال بمنطقة اخرى داخليا ام خارجيا ، وافضلها كانت تعتمد على موروثها الحضاري ، بما في ذلك العتبات المقدسة ، و المدارس الدينية المعروفة مع بقايا انتاج حرفي بسيط .
لا غرو ، إذن ، ان ، ((العراق الذي كان في يوم من الايام مخزن حبوب لمقدمة اسيا تحول إلى بلد فقير تغطي الجزء الاغلب منه الصحاري و المستنقعات)) ، وان(( لم يعرف اربعة اخماس سكانه الشبع)) في ظل الحكم العثماني (2), وكان هؤلاء يعانون من كل ظواهر الجهل بمعنى الكلمة , فعندما اجتاح الطاعون البلاد عام1846، مثلا ، كان لا يوجد في بغداد سوى طبيب رسمي واحد(3) ، ولم تظهر فيها مستشفيات الا بعد مرور اكثر من عقدين على ذلك الوباء حين اقدم المجرم مدحت باشا على تشييد مستشفيين هناك ، احدهما كان مستشفى عسكريا(4), وكان طبيعيا ان يتقلص حجم سكان بغداد ، اكبر واشهر مدن العراق و المنطقة و العالم في العهد العباسي الزاهر ، إلى اقل من خمس حجمها السابق ، فقد قدر عدد سكانها في اواخر العهد العثماني بما يتراوح ما بين مائة وخمسين ومائتي الف نسمة فقط(5).
واذا أخذنا بغداد نفسها ، قلب المعارضة البرلمانية لاحقا ، نموذجا لرسم صورة عن الواقع الاجتماعي والإداري في العراق في أواخر العهد العثماني فان النتيجة تكون في غاية القتامة ، مع ان بغداد تمثل ، بحكم الواقع ، الأنموذج الأفضل الذي لم يضاهيه جزء اخر من اجزاء العراق ، في سياق المقارنة والمقايسة يومذاك.
فسكان بغداد وقتذاك كانوا يتوزعون على الملاكين ، والعاملين في حقلي التجارة الداخلية والخارجية ، والموظفين وعمال الخدمات وعدد متواضع من عمال الورشات الحديثة ، وعدد اقل بكثير من أصحاب الورشات تلك ، فضلا عن عدد كبير من المتسولين ونصف العاطلين عن العمل ممن تفاقم وضعهم ، وتزايد عددهم اثر موجات الهجرة من الريف إلى المدينة ، وقد أصبحت هذه الأخيرة (الهجرة) من الظواهر المألوفة في ذلك العهد بحكم تفاقم الاستغلال الإقطاعي ، وإقبال الأغنياء الواسع على اقتناء الأرض الزراعية في الأول منهما (الريف).
وكان يدير هؤلاء موظفون – (كل ما يقال فيهم قليل) – لان الدولة استخدمت ، حسب تعبير المؤرخ عباس العزاوي ، (( حثالات الناس ، فيهم من الجهال او سوء الاحوال ما لا يوصف والاخيار العارفون بما يجب عليهم قليلون))( 6) ؛ وكان همً هؤلاء كبارهم وصغارهم ، ان يبتزوا الناس بكل السبل والحيل الممكنة بغض النظر عن مقامهم ، وامكاناتهم ، فان امن الجميع واستقرارهم كان يعتمد على ما يدفعوا إلى حد كبير ؛ وقد سجل لنا القنصل الفرنسي ( مسيو بونيون) صورة معبرة عن واقع الامن في بغداد سنة1891 ، من شأنها ان تجسد ما ذكرناه بأسلوب لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والتوضيح ، فقد قال ما نصه:
((ان التسيب في بغداد قد بلغ الاوج ، فالسرقات متصلة ، واعتقد ان مائتي حادثة قتل على الأقل وقعت منذ ثمانية اشهر في المدينة ، ولم يصدر أي حكم جدي في أي من هذه الجرائم )) ذلك لان (( الحكام يبيعون احكام تلخيص المجرمين للمجرمين))( 7).
وبعد مرور نيف وعقدين من الزمن على هذا التصريح الخطير اعترفت السجلات الرسمية بان عدد الجرائم الأخلاقية وحدها في بغداد بلغت 9284جريمة في العام 1913 ، و 9724جريمة في العام الذي تلاه(8).
تجسد التخلف عن الركب والعصر في بغداد في ظواهر عديدة ، ومتنوعة تجاوز مغزى بعضها موضوع الأمن والعدل على الرغم من خطورتهما , فكانت الكتل البشرية في مدينة بغداد تتزود بمياه الشرب من النهر مباشرة بواسطة السقائين الذين كانوا يستخدمون الدولاب لإنجاز أعمالهم الشاقة ، فلم يظهر في بغداد حتى أواخر العهد العثماني أنابيب مياه الا في حي واحد منها ، ولم تتوفر الشروط الصحية المطلوبة في المياه التي كانت توزعها تلك الأنابيب تلك على دور ذلك الحي(9).
ولم تعرف بغداد الكهرباء لغاية العام 1917 ، فكانت طرقها ضيقة , وأزقتها متعرجة ، وشارعها الوحيد (خليل باشا جادة سي) – شارع الرشيد حاليا – الذي افتتح في تموز سنة 1917 ، وتضاء بمصابيح نفطية ، وكلها تقريبا تتحول إلى برك واوحال في ايام الشتاء الممطرة(10).
وكان كل وال جديد ينشر الوعود والعهود من اجل النهوض بهذا ( القطر النياض ، والإقليم المهمل) ( ) دون ان يؤثر على سير الركب ، او يرى إنجاز من إنجازاته النور بسبب تغير سرعة الولاة الذين بلغ عددهم في العام 1915وحده ثلاثة ولاة(11).
لخص لنا ( لونكريك) اوضاع العراق العامة بعد تتبعه الدقيق لوقائعها ,وتغيراتها درسا وتمحيصا ، وهو( العراق) فقد بلغ أعتاب مرحلة جديدة شهدت أفول نجم العثمانيين ، بقوله :
(( كانت نظرتنا التاريخية التي نضرناها إلى العراق… بعد اربعة قرون تقريبا من تاريخ اول فتح تركي ترينا بإيضاح كاف ما كابدته هذه البلاد الاسلامية الواسعة الغنية ,وما ربحته . وقد ابانت تلك النظرة في الحقيقة انعدام التقدم في هذه البلاد منذ عهد سليمان القانوني في الفكر او الروح ، وفي الثروة المالية والاساليب الحديثة فقد خرجت البلاد من القرن التاسع عشر دون ان تكون اقل وحشية وجهلا الا بمقدار يسير …))(12).
والمدارس القليلة كانت مقتصرة على مراكز المدن التي لم يؤلف سكانها في أواخر العهد العثماني حتى ربع مجموع سكان العراق(13) ؛ اما نسبة المتعلمين بين سكان المدن نفسها تراوحت في ذلك العهد ما بين خمس وعشر بالمائة فقط حسب تقدير ( لونكريك ) (14 ).
بعد ان ولى عهد الاتراك الاسود – غير مأسوف عليه – ؛ جاء دور الاحتلال الانكليزي وعملاءه ورعاياه وحلفاءه الجدد من بقايا العثمنة , وحالنا بين الاحتلالين يوضحه باختصار المثل الشعبي العراقي : (( المطي نفس المطي بس الجلال تبدل )) ؛ فمرتزقة الامس هم مرتزقة وعملاء اليوم , وسارت العملية السياسية بنفس الوتيرة السابقة مع بعض الفروق الطفيفة … .
واليك بعض الحقائق عن ذلك العهد الاسود الثاني – العهد الملكي – والذي استمر 37 سنة ؛ والذي يطلق عليه بعض الحمقى والمغفلين والمنكوسين والطائفيين بالإضافة الى بعض ( غمان وثولان ) الاغلبية العراقية ؛ الزمن الجميل ..!!
عندما سقط النظام الملكي- اي بعد 37 سنة من قيامه- كانت : نسبة الأمية 80 ٪ – (حسن العلوي.. جمهورية الخوف ص 140) – ؛ فحتى ثلاثينيات القرن الماضي لم يكن في العراق أية جامعة أو كلية أو حتى معهد يعتد به , إذا ما استثنينا كليتي الطب والحقوق , وكانت كل من هاتين الكليتين تابعة الى إحدى الوزارات , ولم تتأسس جامعة بغداد إلا العام 1957.
وعدد المتعلمين بشكل عام لا يتجاوز أل 7 بالمئة من مجموع سكان العراق , وعدد المدارس محدوداً , وأبنيتها دور مستأجرة , فيما عدا بعض المدارس , التي بقيت من العهد العثماني .. وهي قليلة جداً ؛ أما الموظفون .. فكان غالبيتهم لا يملك الشهادة الثانوية .. وقد يقرأ ويكتب فقط .
حتى الأكثرية الساحقة من النواب في المجالس النيابية كانت من الأميين أو أشباه الأميين ؛ فعلى سبيل المثال: كانت نسبة الأميين في المجلس النيابي لدورته العام 1930 (73 بالمئة) ؛ أما الذين يحسنون القراءة والكتابة في تلك الدورة فكانت (8 بالمئة) وفي دورته العام 1935 كانت نسبة الأمية (60 بالمئة) والذين يحسنون القراءة والكتابة (15 بالمئة) , هذا فيما يخص التعليم .
واليك معلومات عن الوضع الصحي والمعاشي في تلك الحقبة الهجينة الغبراء :فقد كان معدل عمر الفرد العراقي لا يتجاوز 28 ـ 30 سنة .. ولولا ارتفاع معدلات الولادة .. لانقرض الشعب العراقي .. – (ليث الزبيدي.. ثورة 14 تموز.. ط 2.. ص 29) – .. ويقول ( لونكريك) – (العراق الحديث ص 938) – : كان معدل وفيات الأطفال ما يزال مرتفعا بشكل يدعو الى الأسى .
و كان عدد سكان العراق 3 ملايين وفق إحصاء 1934… , و 7 ملايين نسمة وفق إحصاء 1957؛ و عندما سقط الحكم الملكي ؛ كان أربعة أخماس عائلات العراق بلا أية أملاك ,ولا سكن, ولا غيرها…!! – (حنا بطاطوـ العراق الكتاب الأول ص 429) – .
وكان التباين الطبقي كبيرا , والفقر مدقع لغالبية الشعب , واستئثار عوائل الفئة الهجينة بالمناصب العالية , و العوائل المقربة من العائلة الملكية بالامتيازات , وقد أشار لذلك السفير البريطاني في بغداد في إحدى رسائله الى الحكومة البريطانية .
اما فيما يخص ملف الفساد في ظل تلك الحكومات الطائفية والعنصرية والعميلة والفاسدة ؛ اليك بعض الحقائق وما خفي كان اعظم ؛ ( فرهود الملكية ) :
فقد وصل الغريب الحجازي والعميل الانكليزي فيصل الأول إلى العراق وتوج ملكا في عام 1921 وهو لا يملك شبرا فيه ؛ وتوفي بعد اثني عشرة عاما فخلف إرثا , اليك تفاصيله المعلنة فقط :
1ـ ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين دونم ان في الوزيرية .
2ـ ستة عشر ألفا وتسعمائة وأربعة وثمانين دونما في الحارثية.
3ـ خمسة وتسعين ألفا وتسعمائة وتسعة عشر دونما في خانقين.
4ـ تسعة آلاف وخمسمائة وسبعة عشر دونما في بنجوين.
5ـ ثمانية وسبعين دونما في سرسنك.
وقد تقاسم أعوان الملك السراق الأراضي الأميرية ؛ حتى لم يبق أحد لم يستحوذ على حصة وهذه عينة منهم على سبيل المثال وليس الحصر :
ـ وضع الحرامي جعفر العسكري (رئيس وزراء.. ووزير الدفاع) : يده على سبعة آلاف وستمائة وخمسة وثمانين دونما في منطقة العطيفية.. ارقى مناطق بغداد.
ـ ومثلها في المجيدية (المجيدة.. المنطقة المحاذة لمدينة الطب.. ولم يدفع حتى رسوم تسجيلها.
ـ واستأثر الحرامي حكمت سليمان (رئيس وزراء).. بسبعة عشر ألف دونم في منطقة الصليخ .
ـ وكان واحدا من أربعة لم يكن لطمعهم حدود : الحرامي ياسين الهاشمي الداغستاني .. ورستم حيدر اللبناني رئيس ديوان فيصل الأول .
ـ و استغل رشيد علي الكيلاني رئيس الوزراء 1933 ـ 1941, وجود ثغرات في قانون العقارات والأراضي الأميرية ؛ ليستحوذ على مزارع وارضي زراعية شاسعة في عدة محافظات , إضافة الى استحواذه على مناطق راقية في بغداد والأعظمية , منها :
ـ أراضي في بغداد وحدها الفان وأربعمائة وثمانية وخمسون دونما ـ وقد ثبتها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه “تاريخ الوزارات العراقية”- .
ولم يستطع نوري السعيد رئيس الوزراء من إعادتها الى الدولة , بعد فشل حركة رشيد علي الكيلاني في العام 1941, لان الكيلاني استطاع تسجيلها بشكل أصولي مستغلا منصبه .
اما فيما يخص الحرامي أرشد العمري رئيس الوزراء 1946 ـ 1954.. , فقد استغل منصبه كأمين العاصمة ـ بغداد في العام 1941- (وكان يلقب ب كواد بغداد) – ؛ ليستحوذ على مناطق وأراضي في أرقى مناطق بغداد؛ في منطقة بارك السعدون دون أن يدفع فلساً واحداً.. كصاحبه رشيد عالي الكيلاني…!!
و عندما قامت ثورة 14 تموز 1958 التصحيحية ؛ كانت ملكية توفيق السويدي ثمانية آلاف وسبعمائة وأربعة دونم في بغداد , وهو معروف بفساده المالي الكبير.
ـ وقد ورث ورثة الحرامي حمدي الباچه چ ? أربعة وثلاثين ألفا وثلاثمائة وسبعة وثلاثين دونما في بغداد.
ـ و الحرامي مزاحم الباچه چ ? ألفا وتسعمائة وواحد وأربعين دونما في بغداد..
ـ و الحرامي علي جودت الأيوبي ستة آلاف وثلاثمائة وستة وستين دونما في بغداد… فضلا عن تسعين ألف مترا في منطقة أم العظام في كرادة مريم.
ـ وجميل المدفعي ثلاثة آلاف وتسعمائة وستة وسبعين دونما في ديالى.
ـ ومصطفى العمري اثني عشر ألفا وسبعمائة واثنين وثلاثين دونما في الموصل .
ـ وعبد الوهاب مرجان تسعة آلاف ومائة وسبعين دونما في الحلة.
ـ وقد ورثت ابنة أحمد مختار بابان من أبيها ثلاثة آلاف وتسعمائة وثمانية وخمسين دونما في كركوك.
ـ وكان صباح نوري السعيد يمتلك تسعة آلاف ومائتين وأربعة وتسعين دونما.
وقد وصفت المخابرات البريطانية الطبقة الحاكمة في العراق الملكي باللصوصية ( الحرامية ) … أو حرفياً: قلة متحكمة من مبتزي المال – (بطاطو ص 383)- واليك أمثلة على ذلك :
ـ عدم اكتراث الملك فيصل الأول لنصائح الانكليز في عدم حاجةً العراق لتشكيل جيش كبير من أربع فرق ومن غير عقيدة واضحة ؛ وكانت نتيجة هذه السياسة إنفاق مبالغ طائلة من إيرادات الدولة – وبالتحديد ثروات الجنوب – على الجيش وقوى الأمن على حساب محاربة الفقر والعيش الكريم .
ـ و استولى المرتزق الاجنبي ياسين الهاشمي الداغستاني رئيس وزراء العراق 1925 على أراضي الحكومة , وصارا هو والكيلاني من كبار الإقطاعيين ـ (عبد المجيد حسيب القيسي.. التاريخ يكتب غدا ص 70, ومير بصري ـ أعلام السياسة ص 182) و كذلك رؤساء الوزراء الآخرون – (بطاطو ص 394 و212 ـ 218) – .
ـو استحوذ جعفر العسكري على سبعة آلاف وستمائة وخمسة وثمانين دونما في منطقة العطيفية ؛ حتى إن السفير البريطاني في العراق رفع مذكرة الى الملك فيصل الأول يشير فيها الى إن جعفر العسكري استحوذ على هذه الأراضي من دون سند قانوني , وحتى لم يدفع الرسوم البسيطة لتسجيلها – (عبد الرزاق الحسني.. تاريخ الوزارات العراقية في العهد الملكي.. الجزء الرابع) – .
ـ و الاجنبي مجهول الاصل – ( كبير السراق والنشاله) – نوري السعيد أخذ رشوة من شركة نفط العراق – ( بطاطو ص 392) – ؛ واستخدم نوري ميزانية الدولة لأغراضه الشخصية – (القيسي ص 172) – ؛ فكان السعيد عندما يرشح لرئاسة الوزارة يشترط أن يكون وزيراً للدفاع أيضاً, حتى يستطيع إقامة الدعوات والحفلات وغيرها؛ فمخصصات هذه الوزارة مفتوحة, فضلا عن فساد ابنه صباح وانحطاطه الاخلاقي المشهور – (بطاطو ص 392) – .
ـو كان الغريب الحجازي علي حجازي مدير الشرطة العام يضع مراكز الشرطة بالمزايدة , ويمنحها لأكثر الدافعين من المفوضين والمعاونين – (القيسي ص 535) ـ وقد بلغ من فساد الشرطة أن جرى إعدام أبرياء ـ في قضايا جنائية ـ بدلاً من المجرمين الحقيقيين… – (الهلالي ـ قال لي هؤلاء ص 188ـ 189) – .
واما شبهات الفساد في تنفيذ مشاريع الأعمار؛ كما ورد في أحد تقارير المخابرات الأمريكية:
(( علما بان أولويات مشاريع الأعمار لم تكن تصب في مصلحة الشعب العراقي , قدر ما كانت تصب في صالح المصالح المتصارعة الأمريكية والبريطانية لحلب الإيرادات المتزايدة من تزايد صادرات النفط , حيث كان لكلا الطرفين تمثيل في مجلس الأعمار)) – انظر: الصراع الأمريكي البريطاني في مجلس الأعمار – . (15)
الان عرفت ايها المنكوس المدعو زورا ب: جلال الوزير والاحرى جلال الحقير ؛ ان سبب التخلف والامية والابتعاد عن التمدن والتحضر والتطور والازدهار ؛ هم اسلافك المهجنون واجدادك اللقطاء المنكوسون ورجالكم القتلة الجهلة والغرباء الدخلاء والاجانب العملاء … ؛ وعلى الرغم من كل تلك الماسي السوداء والايام الغبراء والحكومات الهجينة الحاقدة والعصابات الاجرامية الدموية ؛ انجبت مدن وقرى الجنوب العظيم الكثير الكثير من الشخصيات والافذاذ والابطال والاحرار والغيارى والكرام …. لأنها ارض ولود ؛ واسلافك الجهلة واجدادك القتلة مع كل امكانيات الدولة وامتيازات العمالة ودورات المخابرات والمنظمات الدولية المشبوهة بقوا همج متخلفين ورعاع منكوسين .
……………………………………………………………………….
1- الدكتور علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، الجزء الأول ،مطبعة الرشاد ، بغداد 1969،ص18.
2- البرت م . منتشاشفلي ، العراق في سنوات الانتداب البريطاني ، ترجمة الدكتور هاشم التكريتي ، مطبعة جامعة بغداد ، بغداد ، 1978،ص19.
3- بييردى فوصيل ، الحياة في العراق منذ قرن(1814-1914)،ترجمة الدكتور اكرم فاضل ،بغداد ،1968،ص51.
4- سليمان فيضي ، في غمرة النضال ،شركة التجارة و الطباعة المحدودة ،بغداد ،1952،ص53.
5- (العلم)(مجلة) ، النجف ،المجلد الأول ،العدد الأول،10 اذار 1910،ص37 من الجدير بالملاحظة ان المجلة لم تسلك منهجا موحدا في تحديد تواريخ أعدادها فهي تذكرها تارة بالهجرة ،واخرا بالميلادي ،واحيانا تجمع بينهما ، بل انها تستخدم في بعض الاحيان أسماء الاشهر الانكليزية على الطريقة المصرية ؛ البرت منتشاشفلي ،المصدر السابق ،ص82.
6- عباس العزاوي ،العراق بين احتلالين ،الجزء الثامن ،شركة التجارة والطباعة المحدودة بغداد،1956 ،1960.
7- بييردى فوصيل ، الحياة في العراق منذ قرن(1814-1914)،ص46.
8- مقتبس من : ” الحقائق “(جريدة)،بغداد،العدد15، 8تشرين الثاني1924.
9- س.هـ. لونكريك، العراق الحديث من سنة 1900إلى سنة 1950, ترجمة سليم طه التكريتي ،الجزء الأول ،الفجر للنشر والتوزيع ،بغداد ، 1988،ص44.
10- حسين جميل ، العراق ,شهادة سياسية 1908-1930، دار السلام ، لندن ، 1987, ص23 .
11- عباس العزاوي ، العراق بين احتلالين ،الجزء الثامن ، ص270-290.
12- س.هـ.لونكريك ، اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، نقله إلى العربية جعفر خياط ، الطبعة السادسة ، مكتبة اليقظة العربية ، بغداد ، 1985 ، ص387 .
13- سليمان فيضي،المصدر السابق ،ص58 –59 ؛الدكتور محمد سلمان حسن، المصدر السابق ،ص52 –53.
14- س. هـ . لونكريك ،اربعة قرون …،ص380؛ نقلا /بالتصرف عن محاضرات في تاريخ العراق المعاصر / الأستاذ المساعد الدكتور علاء حسين الرهيمي , المدرس المساعد محمد جواد جاسم الجزائري/ جامعة الكوفة /كلية الآداب /قسم التاريخ .
15- مقالة ( الوجه الآخر للحكم الملكي في العراق) للكاتب هادي حسن عليوي / بتصرف .