اسم الكاتب : ايناس طارق
في الوقت الذي استبشرت فيه الغالبية من ابناء شعبنا بعد عام 2003 بشيء من التقدم في مجال الخدمات يعوض عنها سنوات الحرمان، ويجعله تلمس مقدار ما يزخر به العراق من خدمات، وفي الوقت الذي نعيش في الالفية الثالثة بكل ما يفترض ان يعنيه من تقدم ;في هذا الوقت وبعد ان تجاوزنا العام السابع ودخلنا الثامن، لا نملك إلا أن نتساءل عن كل تلك الوعود والبرامج التي حفلت بها برامج الكتل السياسية، عند كل زيارة لمنطقة او حي من الاحياء المنسية في بغداد التي لا تعرف الخدمات بحدودها الدنيا طريقاً اليها ؛ ربما ان سكان هذه المناطق تجاوزوا القانون وبنوا مساكنهم خارج الضوابط، لكنهم مع ذلك عراقيون ويستحقون من يستمع الى مشاكلهم خاصة من قبل المسؤولين في مجلس محافظة بغداد والمجالس البلدية ويتناقشوا معهم عن حلول لمشاكلهم البسيطة.
ففي المنطقة التي كانت تسمى معسكر الرشيد سابقاً وبالقرب من منطقة الزعفرانية وبمسافة عدة كيلومترات عن منطقة بغداد الجديدة، عوائل لا تعرف شيئاً عن السياسة في العراق ،و لا من يحكمه، ولا يعرفون شيئا عن ابسط كماليات الحياة , غرف بنيت من صفائح الدهون ،لذا فهي لا تستطيع ان تقاوم امطار فصل الشتاء ولا حتى الزخات الخفيفة منه فقد غرقت بيوت هذه المنطقة لمدة ثلاثة ايام بسبب سقوط الامطار على العاصمة بغداد في شهر كانون الاول عام 2010 واستقبل ساكنوها عام 2011 بطفح المياه ومجاري الصرف الصحي لمنطقة الزعفرانية. ولم يسعفهم مجلس محافظة بغداد بحل الذي يصرح دائما بان لديه لجنة خدمات بغداد، ولا ندري اين هي الخدمات والمواطنون يعيشون وسط ارض جرداء ولولا همة وشهامة القوات الامنية العراقية التي طلبت المساعدة من امانة بغداد لسحب الماء عن الحي الذي غرق سكانه وهم يصرخون ويستنجدون بهم للحيلولة دون غرقهم ودون اصابة اطفالهم بالمرض فهم محاطون بالطين والمياه الاسنة ولا من منقذ! هذا الحي له مدخل واحد تقريباً حيث يكون الدخول اليه من جهة نقطة سيطرة الفوج الاول اللواء الثامن شرطة اتحادية ،الذي ساعدنا في التجوال في هذه المنطقة فعلى الرغم من انها احياء من \”التنك\” لكن سكانها يرفضون احيانا الزوار خوفاً من ترحيلهم وجذب الانتباه اليهم فهم كما يقول اناس منسيون ولا يتذكرهم المسؤولين الا وقت الانتخابات فقط حيث يسمعون الكلام الجميل المليء بالوعود. تنتشر أحياء التنك في العاصمة بغداد ; وفي مناطق متفرقة من الجنوب والوسط ; والشمال، سكانها خليط من مجتمعات مختلفة وتشترك معظم منازل حي التنك بصفة مشتركة تجمعها هي انها مكوّنة من صفائح التنك لا غير ؛ اكيد ان هؤلاء المواطنين لم يعرفوا انهم يؤسسون لظاهرة بدت جديدة على العاصمة بغداد اذ صف منزل تلو الاخر حتى اضحت مجمعات سكنية تعرف باسم (احياء التنك) ; وبات المسؤولون في الحكومة والمحافظة; ومجلس محافظة بغداد كما يبد و، عاجزين تماماً عن فعل اي شيء لها. فمساحة افضل غرفة في تلك الاحياء لا تتجاوز الاربعة امتار مربعة وعلى ارضيتها الطينية الرطبة مجاميع مبعثرة من الفرش البالية ; لا تليق بان يتوسدها انسان، وكلما توغلنا في هذا الحي الغريب العجيب عادت بنا الذاكرة قسراً الى اسوأ ما قراناه عن مآسي ونكبات من عاش في القرون الوسطى، وما ينعش الذاكرة بكل تلك القراءات لازمنة يفترض ان تكون في خبر كان، هذه الحيوانات التي; تصول وتجول واكوام النفايات المحيطة بالمكان والخوف والقلق الذي ينتاب الزائر الى هذا الحي من ان تنزلق قدماه في الوحل، فضلا عن الروائح الكريهة المنبعثة من الحفر القريبة من المنازل والتي كتب عليها \”W\”. عوائل وبؤس يقول حارس يبلغ من العمر العقد الثاني كان يرتدي ملابس بالكاد تغطي جسده النحيل يحاول جاهداً ان يعمل جسراً للعبور من منزله الى اقرب نقطة تساعده للوصول الى الشارع:; لا نملك مالاً لشراء بيت او حتى ايجار غرفة فبعد اشتداد العنف الطائفي في منطقة الحرية خرجنا بملابسنا ونصحنا احد الاقارب بالسكن قربه في الحي القريب من منطقة الزعفرانية وعندما جئنا الى المكان لم يكن عدد المساكن يتجاوز العشرة كحد اعلى وبالتدريج تصاعد هذا الرقم ليبلغ عددها; الان 40 منزل صفيح بنيت عشوائياً وبصورة مبعثرة ..اما جاره وهو رجل كبير في العمر و اشتد به المرض بسبب تعرض جسمه الى الرطوبة العالية وبرودة الجو فالشتاء قارص البرودة فيقول : بألم وحسرة تقطع انفاسه المتعبة: هذه البيوت تخفي خلف صفائحها الكثير من المآسي والآلام التي تنهش سكان أحياء التنك.. فواقع اهلها مرير ومزر وهم يعانون من مشاكل لا حصر لها أغلبية مرهقة متعبة من تراكم سنوات عجاف نتيجة تفاقم الحروب وتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والناس هنا مجبرون على ان يصارعوا ويواجهوا اسوأ ما في الحياة من اجل البقاء على الرغم من الوضع البيئي السيئ والكارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالقوارض تملأ المكان والعقارب تهاجم السكان بين فترة واخرى بسبب طبيعة الارض، اما الافاعي فهي تكثر في فصل الصيف … .