نوفمبر 22, 2024
فع

اسم الكاتب : السيد محمد علي بحر العلوم

إن مرجعيتنا الدينية العليا في كل خطاباتها انطلقت من مصلحة الأمة العراقية ومن مصالح الدفاع عن الشعب العراقي من دون تفرقة بين مذاهب ومذاهب، وبين أديان وأديان، أو بين قوميات وقوميات . هذا ما أكّده أستاذ الحوزة العلمية في النجف الأشرف السيد محمد علي بحر العلوم خلال الكلمة التي ألقاها بإفتتاح مؤتمر حشد العتبات المقدسة الأوّل الذي انطلقت فعاليته صباح هذا اليوم الثلاثاء (15 ربيع الآخر 1442هـ) الموافق لـ(1 كانون الأوّل 2020م) في العتبة العلوية المقدسة تحت شعار: (حشدُ العتبات حاضنةُ الفتوى وبُناةُ الدولة) جاء فيها : أقف اليوم أمام ثلة مؤمنة جاهدت وبذلت ووفت، فمنهم من استشهد ومنهم من يستمر بحمل راية هذا الجهاد، هداية الله مستمرة، وتوفيقه مستمر، مع استمرارية هذه الهداية التي تُناط بإختيار الانسان، إذا ما سار وعمل عملاً صالحاً تنفتح امامه بعد كل خطوة، آفاق من الرحمة والهداية والمدد الالهي والتوفيق الرباني». وأضاف: «إن مظاهر الايمان والاعتقاد الصحيح تتجلى في عمل الانسان وتظهر في سلوكه، وتتجلى عندما يكون الانسان صادق النية بينه وبين ربه وعندما يكون عمله مبرئاً للذمة ولتكليفه الشرعي. الأعمال المتميزة الخالدة تبقى يخلدها الدهر، وتبقى محفوظة في التاريخ وتكتبها الأجيال، هكذا كان احتضانكم أيها الأبطال لفتوى الجهاد المقدس، كلمات قليلة تضمنتها الفتوى إلا أن معانيها تلاقفتها تلك القلوب المؤمنة الواعية التي حركها ذلك النداء، وجعلها تبذل أغلى ما يملكه الانسان، وهي نفسه في سبيل مصلحة عليا، وفي سبيل غاية وأهداف مقدسة». وتابع بحر العلوم: «كانت خطوات هؤلاء الأبطال -وأنتم منهم- ثابتة ذات هدف واضح هو الحفاظ على أرواح الأبرياء اخواننا الذين يعيشون معنا في هذا الوطن، الحفاظ على العراق موحداً، الحفاظ على مقدسات العراق من أن تنجسها تلك الطغمة الارهابية، هكذا يكون الفعل المميز اذا مُلئ إيماناً بقضيته الوطنية يبقى محفوراً في ذاكرة العراقيين، وتتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل». وأشار كذلك: «يقع على عاتقنا وعلى عاتق الاعلاميين في الخصوص كيفية الحفاظ على تلك الصورة الناصحة، وكيفية نقل تلك الصور البديعة من الملاحم والتضحية والبطولات والايثار والمحبة والتواضع والتعاون التي عاشها الأبطال في تلك الفترات، الفتوى والاتباع لتعاليم المرجعية الدينية العليا في كيفية القتال والالتزام بالتوصيات التي هي تراث أئمتنا (سلام الله عليهم) في القتال؛ ليكون القتال قتالاً شريفاً لا تُتبع فيه أساليب من الدمار فكتبوا بذلك درساً واضحاً في كيفية تطبيق تلك المثل والتعاليم التي خطها أئمتنا (سلام الله عليهم)». وذكر: «إن الانتماء يولد عزاً وافتخاراً، لكنه أيضاً يحمّل الانسان مسؤولية الانتماء الى المرجعية الى العتبات، الى الشعب، الى العراق، الى الوطن، انتماءات لا تتقاطع، انتماءات يستشعر بها الانسان العزة والافتخار، ولكنه يجب أن يتحمل مسؤولية كل واحدة من هذه الانتماءات. الانتماء للعتبات، انتماء الى المقدس، انتماء الى رموز ملأت الدنيا والانسانية خلقاً وايماناً وتقوى، انتماء يجب أن يكون الفرد على قدره ويحفظ هذا الانتماء، انتماء الى الوطن الذي يجعل الانسان أمام مسؤوليات في كيفية الحفاظ على هذا الوطن، وكيفية العيش مع ابنا هذا الوطن الذين يتقاسمون العيش معه. يتجلى هذا الانتماء الى الوطن بالحفاظ على هذه الهوية الوطنية، وقد أثبت المقاتلون الأشاوس ذلك التلاحم الايجابي، وذلك الاختلاط بالدم الذي حصل أثناء دحر الارهاب، وكيف تكاتف الجميع وكيف اتحد الجميع، وكان نتيجة اتحادهم هو دحر هذا الارهاب». ولفت : «العمل العسكري ليس كالعمل السياسي، العمل السياسي يحتمل سلطة ومعارضة وكلاهما يدفعان الى هذا العمل، أما العسكري فلا يحتمل المعارضة ولا يحتمل الفئتين، العمل العسكري يحتاج أن يكون الجميع تحت راية واحدة، تحت قيادة واحدة هرمية واحدة، تعاون بين الجميع، اشتراك بين الجميع، كل يأخذ دوره، وكل يأخذ فرصته في العمل، والدفاع يحتاج الى هذا التلاحم، التلاحم في هذه الأعمال ينتج ما نحتاجه اليوم من استقرار أمني». وأكد بحر العلوم: «إن النصر على داعش تجربة تفيدنا وتنفعنا في كيفية بناء عذا الوطن، وكيفية المضي قدماً بخطوات ثابتة من أجل أن نبني هذا الوطن في كل مراحله، يجب أن يبقى هذا الدور واضحاً لهذه القدرات القتالية التي أسهمت في دحر الارهاب، وكان لها الدور المميز في ذلك أن تشترك مع الجميع في بناء هذا الوطن». كما اشار كذلك: «إنّ الفساد والارهاب عنصران أنهكا دولتنا الفتية، عنصران يقفان مانعاً أمام البناء، الفساد يموّل الارهاب، والارهاب يمنع كل محاسبة وكل عقوبة وكل مراجعة، نحتاج الى أن نقف تلك الوقفة المستمرة والدائمة في مواجهة هذا الارهاب، ومواجهة فلول هؤلاء الذين يحاولون أن يقفو مانعاً أمام هذه الدولة. نحن في فترة البناء الذي يستغرق وقتاً قد لا يتحقق بين يوم وليلة، وعشية وضحاها، البناء الذي قد لا نرى نتيجته نحن، ولكن الأجيال اللاحقة سوف تعيشه وتهنأ بما تبنونه الآن، وبما تؤسسونه الآن، وبما تكتبونه من قواعد وأسس في بناء هذا البلد. كتبتم الخطوات الأولى بدمكم عندما استعدتم الأرض، كتبتم الخطوات الاولى بأخلاقكم، عندما حررتم المخطوفين والمخطوفات، كتبتم الخطوات الاولى عندما اتسعت صدوركم للجميع، وأصبح الجميع اخواناً، ويقتسمون هذه البلاد، ويرضون بكل عيش في هذه البلاد». مبيناً: «إن هذه الهوية الوطنية التي نحتاج الى تعزيزها وتقويتها بحيث لا تتنافى مع هوياتنا المجتمعية الأخرى، ولا تكون تلك الهويات المجتمعية عنصر انقسام وانعزال، وانما تكون عنصر وحدة وائتلاف، عنصر اتفاق بين افراد المجتمع. مرجعيتنا الدينية العليا في كل خطاباتها انطلقت من مصلحة الأمة العراقية، ومن مصالح الدفاع عن الشعب العراقي من دون تفرقة بين مذاهب ومذاهب، وبين أديان وأديان، او بين قوميات وقوميات، ليس هذا التنوع تنوعاً ننفرد به نحن في العراق، في كثير من البلدان يوجد هذا التنوع الذي يجب أن يكون عنصر قوة، عنصراً يجعلنا نفتح آفاقاً في كيفية تحاورنا وتعايشنا، وأن يكون هذا مُؤسّساً على عنصرين مهمين: أن يأمن الجميع على مصالحهم، وأن يبدد الجميع مخاوفهم». وأردف قائلا : «إن المخاوف تنتاب الجميع، كيف يمكن أن نبدد هذه المخاوف، ليس عمل فرد واحد، أو جهة بخصوصها، انما هو عمل الجميع، الشعب الذي يؤمن أن حياته مرتبطة بحياة كل فرد على هذه الأرض، أمنه مرتبط بأمن الآخرين، مصالحه مرتبطة بمصالح الآخرين، في أن ينال الجميع حقوقهم وحرياتهم، وتصل الى درجة التوازن بين جميع هذه الامور، فحينئذ تنشأ هذه الهوية الوطنية من دون أن يخاف أحد من أحد، ومن دون أن يخشى فرد من فرد، ومن دون أن تبقى الدولة عنصر إرهاب وتخويف، بل أن تبقى عنصراً محافظاً على هذه الهوية، عنصراً خادماً لأبناء المجتمع، عنصراً يحافظ على هذه الوحدة وهذا الائتلاف». موضحاً: «اليوم التحدي الذي يواجهنا جميعاً هو تحدي البناء، كيف يمكننا أن نخطو بخطوات ثابتة، بخطوات غير مهزوزة، وخصوصاً المسألة العسكرية والأمنية، كيف يمكن أن يسيطر الأمن، أن يسيطر القادة بخططهم بتعاونهم بمشتركاتهم على هذا الوضع، ويسيطروا في جميع المحاور؛ لكي يكون الانتصار الذي حققه أبناء العراق الحشديون والقوات المسلحة بكل أصنافها، كيف نحافظ على هذا الانتصار، كيف نحافظ على هذه الالتزام، الالتزام الذي وجد المقاتلون من أجلها، الالتزام بالأهداف العالية من حفظ الأرواح والبلد والمقدسات والأعراض، وعدم خلط النشاط العسكري بالسياسي، فضلاً على استبداله به أمانة في أعناق الأمة، وأمانة في أعناق المتصدين، وأمانة في أعناق من بذل نفسه، وجعل نفسه في هذا المضمار، وفي هذا المجال، أمانة سوف يُحاسب كل انسان عليها، وكيف أدى هذه الامانة، وكيف تحمّل هذه المسؤولية في كل جوانبها العسكرية والأمنية». مشيراً : «اليوم ونحن في هذا المؤتمر كما نحيي تلك البطولات ونقف اجلالاً وتعظيماً لها، نحث الخطى على أن تتم هذه القواعد العسكرية والامنية بكل صفوفها في ظل قيادة موحدة، وبهذا يتحقق الاستقرار الامني المنشود، وبهذا يمكن أن نخطو خطوات جبارة وأكيدة لبناء العراق بناء دولة جديدة يُراد منها أن تسبق الدول الأخرى، وتحقق ذلك الأمل الذي عاشه الآباء والاجداد الذين ناضلوا من أجل التغيير والاصلاح، وهي مهمة تقع على الجميع على القوات الامنية والحشد الباسل وسياسيينا». واختتم بحر العلوم : «حفظ الله تعالى الجميع، وحفظ حوزتنا، ومرجعيتنا العليا التي تبذل دوماً ما يسدد هذا الطريق وهذا المنحى، وترشدنا الى ما يحقق صالح الامة وصالح العراق. نسأل الله تعالى أن تحققوا في مؤتمركم هذا الأهداف التي تنشدونها، ونسأل الله تعالى أن يتغمد شهداءنا جميعاً شهداء النصر الذين انتصروا بهذه الدماء الزكية على داعش، أن يتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه، ونسأله تعالى أن يجعل التوفيق رفيقاً لكم في كل أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *