اسم الكاتب : علي وجيه
يمتلك #العراق مقوّمات “الأمّة” أكثر من سواه من البلدان، أو حتى المكوّنات المتناثرة حوله في المنطقة، لكن هذا التنوّع الذي يخدمُ الفكرة، يكون – بسبب ممارسات غير منطقية، فئويّة، سلطوية – سبباً للتناحر والانقسام، ولهذا غاب مفهوم الهوية الوطنية تقريباً في كل تاريخ العراق المعاصر.
وفي كل الأحوال، حملتْ كلمةُ زعيم #تيّار_الحكمة العراقي #عمّار_الحكيم، وهو آخر ممثلي “البرجوازية الشيعية” في الطبقة الرثّة الحالية، مفهوماً ربّما يبدو مُغايراً ومُخاتلاً عن النسق الذي عملت عليه الطبقة الشيعية داخل العراق، من ترسيخٍ لمفهوم “الطائفة”، وكون الشيعة في العراق جزء من الأمن الاستراتيجيّ الإيرانيّ، وعنصراً لا يخرجُ من معادلة “محور المقاومة والممانعة” في المنطقة.
هذا المفهوم، هو جزء إضافيّ من خروقاتٍ لمفاهيم الطائفة، يحرصُ الحكيم على التصرّف وفقه، خصوصاً بعد انشقاقه عن “صقور” تشكيل أبيه وعمّه، أعني قيادات “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” المقرّبين من #إيران، ومن قيادات الصفّ الأول للمعارضة العراقية في ثمانينات القرن الماضي، فهذه الحركة التي استدعت عقاباً إيرانياً قاسياً ضد الحكيم، أعقبها بحركاتٍ أخرى، لعلّ من أبرزها عدم اشتراكه بفعّاليات المحور في العراق، والإشارة إلى عدم الاعتداء على القنصليات والسفارات، وعدم الاشتراك في مليونية “طرد المحتل” التي أقامها الصدر بالتعاون مع قيادات #الحشد_الشعبي .
لعلّ مفهوم “الأمّة العراقية” ليس جديداً، عمل عليه ونظّر له بشكلٍ واضح فيما سبق السياسي العراقي #مثال_الآلوسي، حتى حمل حزبه اسم “حزب الأمة العراقية”، لكن الآلوسي الذي اكتفى من السياسة بأن يظهر غاضباً، فاتحاً نيرانه على جميع الأطراف، لا يجعل هذه الدعوة راسخةً وتشير إلى اتجاه جديد في البيت الشيعي العراقي، كما يفعلها الحكيم.
في كل الانتخابات، يكون الحكيم شبه خاسر، وبحجمٍ متوسط أو ما دون، قياساً بقوائم جماهير السلطة (جمهور رئيس الوزراء المالكي) أو التشكيلات الشيعيّة الأخرى، لكنه أيضاً يبدو عليه أنه يجيد العمل باستراتيجية لا بأس بها، محاولاً النأي بنفسه عن صبغةٍ إيرانية تؤدي إلى مكاسب آنية، ثم إلى خسارات استراتيجية أخرى.
لا يُمكن فهم دعوة الحكيم لقيام “الأمة العراقية” بمعزلٍ عن خطابات المرجعية الدينية العليا في #النجف الأشرف، التي حذرت بشكلٍ واضح الطبقة السياسية الشيعية من “ذهاب الحكم إلى غيركم”، فالإشارات المتتالية لعقدٍ كامل، عن وصفٍ للدولة المدنيّة دون تسميتها، والتنكيل المستمر كلّ يوم جمعة بالطبقة السياسية، يشير بشكلٍ واضح إلى خراب سفينة “الطائفة”، التي بنتها المرجعية بعد غياب سياسيّ لقرن كامل تقريباً، حين امتنع الشيعة عن الدخول في السياسة بعد ثورة العشرين.
الهويّة الوطنية التي تعمل على إحيائها المرجعية والأطراف المقرّبة منها، أو التي تجيد التقرّب منها، يبدو أنها الجدار الأخير تجاه اللعب السياسي الإيراني داخل العراق، الذي لا يكفّ عن جعل الجماعة الشيعية العراقية عنصراً مخرّباً للسياسة، والوضع العام، مع وجود العاملين السني والكردي اللذين لا يختلفان أبداً عن هذه الطبقة.
الحديث عن “أمّة عراقية” هو إشارة ضمنية للحرّيات الشخصية، والحفاظ على الأقليات التي أنهكها وانتهكها التطرّف الإسلامي السنّي والشيعي على حدٍ سواء، وهو إشارة أيضاً للتوازن المكوّناتي، الذي لا يستهدفُ قمعاً بداعي الأكثرية النيّابية، كما حدث في التصويت على “طرد القوات الأجنبية” الذي لم يشترك فيه السنة والكرد.
المحرّك الأساسي لعراق ما بعد 2003 الداخلي هو النجف الأشرف، والإشارات تتضح تدريجياً، فالحكيم الذي خرج بشكلٍ واضح من العباءة الإيرانية، مع محاولة الإبقاء على صداقةٍ شكلية مع #طهران، يصعّد نبرة مرحلة ما بعد الطائفة، خصوصاً بعد التضييق الأمريكي الاقتصادي والأمني على القيادات الشيعية المقربة من طهران.
ويبدو أننا الذين شهدنا قيام سفينة “الطائفة” بعد زوال الديكتاتورية، سنشهدُ قيام اتجاه عراقيّ، كان الصدرُ مرشّحاً بشكلٍ واضح لقيادته قبل عمليّة المطار واغتيال سليماني والمهندس، وعلى ما يبدو فإننا سننتظرُ قيام سفينة “الهوية الوطنية” أو “الأمة العراقية”، في هذا العقد، بدعمٍ من المرجعية الدينية العليا.