اعداد : مجلة ولاء الشباب العدد (66)
تُطلق عبارة الشعائر الحسينيّة على مجموعة الأعمال والفعاليات التي يقوم بها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) التي يعتمدون في مشروعيتها على النصوص الخاصة، أو عمومات الأخبار التي تحثّ على استذكار مصيبة الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وأنّ ذلك باعث ذو فاعلية للالتزام بأحكام الدين، والمصير إلى عقيدة نقيّة صافية، خالية من كلّ انحراف أو تردد.
هذه هي النظرة العامة التي يحملها أتبـاع أهل الـبيت (عليهم السلام) لهذه الشعائر، وهي عندهم ذات أصالة؛ لقِدَمها، ولتأكيد الروايات الشريفة عن الأئمّة (عليهم السلام) عليها، واقترانها بواقعة الطف الأليمة، فهي متأصّلة في نفوسهم بقدر ما يحملون من مبادئ يعتبرونها أساس النهضة الحسينيّة التي قدّم لأجلها الإمام الحسين (عليه السلام) نفسه وعياله وأصحابه فداءً لها.
وعلى مرّ العصور فقد عاشت الشعائر الحسينيّة ظروفاً مختلفة، تأثّرت بها من الناحيتين الضعف والقوة، لكنّها لم تخمد ولم تمت، بل واجهت أطوار الضعف بالثبات والاستمرار؛ كونها قد اكتسبت مبادئها من عزم وكرامة سيّد الشهداء وأهل بيته وأصحابه عليهم صلوات الله الكريم وسلامه.
في هذه السنين – وعند حلول شهر محرّم الحرام وبعده شهر صفر، حيث يعتبران موسم ذكر الحسين (عليه السلام) ومظلوميته هو وعياله – يتكلّم بعض لأغراض مختلفة، في مسألة تغيير الشعائر وتطويرها إلى مستوى من الفائدة أكثر مما عليه الآن، ووضعوا لذلك عناوين متنوّعة مثل تهذيب الشعائر أو تجديدها، وعناوين أُخرى لها المعنى نفسه، وهي دعوة إلى نقل الشعائر من حالتها القائمة اليوم إلى وضع آخر أفضل؛ لتكون فائدته أكثر ومنفعته أعم.
إنّ مصطلح التجديد وإن تداولته الألسن بحسب نيّاتها لم يعدْ له معنىً واضح اليوم، بل برز له معنى النقل والتغيير لأجل التغيير، بغض النظر عن الحالة المنتقَل منها أو الحالة المنتقَل إليها، وهذا مفهوم قد يهلك ويقتل موضوعات ذلك التجديد، فالتغيير لأجل التغيير سلاح ذو حدين، ربما يعطينا نتائج صحيحة، وربما تكون النتائج خاطئة؛ لذا لابدّ لمَن يرغب بهذه الفكرة أن يحرز صحة النتائج، وذلك بتشخيص سبب التغيير، وأن يأتي بما لا يخرج عن أجواء الموضوع، فإذا كان الموضوع هو الشعائر الحسينيّة أو المنبر الحسيني، فلابدّ من مراعاة الجانب الذي يصدق عليه إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) ولا يخرج عنه، وإلّا كان كلّ تغيير أو تجديد انتهاكاً لمقامهم الشريف.
ولا بدّ من العلم بأنّ من الشعائر ما لا يقبل التجديد أو التغيير لورود نصوص خاصة بها، فتكون توقيفية، فيجب ممارستها والقيام بها كما وردت عن أهل البيت (عليهم السلام)، وليس لأحد أن يُدخل فيها أو يخرج منها ما يمحو صورتها أو مضمونها، كالبكاء على الحسين (عليه السلام)،
فإنّه مع حثِّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) وتأكيدهم على أهمية البكاء والتباكي على الحسين (عليه السلام) وعظم ثوابهما، فإنّه لا يمكن أن نلتفت إلى دعوة تغيير أو إلغاء هذه الشعيرة.
وأمّا مسألة المنبر الحسيني فإنّ محاولة التجديد إذا كانت للارتقاء نحو الأصلح والأنفع، فلا ينكره عاقل، ونأمل من القائمين على المجالس الحسينيّة أن يتحفوا القضية الحسينية بما يُثبت العقيدة والأخلاق والآداب في نفوس المؤمنين، أمّا إذا كانت مجرد صوت لا يراعي غير التحديث كمفردة شائعة في ثقافة اليوم، فنحن نقول له: ليس كلّ جديد حسناً، كما أنّه ليس كلّ قديم سيئاً، فلسنا مع تسييس القضية الحسينيّة لآراء وأفكار بعيدة عن واقعها، ونقف بوجه كلّ جديد يخرجها عن إطارها كشعيرة دينية إلى فعاليات وأغراض أُخرى.
ثُمَّ إنّ الشعائر الدينية والحسينيّة بالذات لها مناشئ شرعية -كما قلنا- تحقق موضوعها وحكمها، وأهم منشأ لها أنّها تعبيرٌ عرفيٌّ عن تعظيم الحسين (عليه السلام) أو إظهار الحزن عليه، وأفضل أسلوب لهذا التعبير هو ما كان متداولاً في زمن الأئمّة (عليهم السلام).
والمنشأ الثاني أنّ هذه الممارسات تعدّ تذكيراً للمسلمين بمصاب سيّد الشهداء(عليه السلام)
وأهدافه في نهضته، وهو أمر مادام يحقّق موضوع الشعائر وإحياءها فلا مقتضي للتغيير فيه.
وكلّ هذا لا يمنع من استحداث أساليب أُخرى للتعبير أو التذكير، ولا مانع من ذلك، لكن بشرط أن يبقى مصداقاً للشعائر في نظر العلماء وأعراف المؤمنين والمتشرّعة.
أمّا مسألة اختراع أشياء جديدة لا يُراعى فيها الصدق العرفي على الشعائر الدينية فربما يكون هذا مبعَداً عن نهج أهل البيت(عليهم السلام)، نعم، لا مانع من الاستفادة من وسائل الإعلام الحديثة فنحكي القضية الحسينيّة بإخراج الأفلام السينمائية، أو البرامج التلفزيونية، بل إنّ ذلك يؤثر في شريحة واسعة من الناس، ما لا تؤثّره أيّة وسيلةٍ أُخرى.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (66)