نوفمبر 12, 2024

اسم الكاتب : محمد صادق الهاشمي

وجّه المحيط الاقليمي والعربي كلّ سهامه ومخططاته لمنع المكوّن الشيعي من أن يشارك في الحكم، وهذه سياسة متبناة منذ العهد العثماني الذي حكم العراق أربعة قرون إلّا قليلا، ثمّ تلاه العهد الملكي البريطاني، واستمرّت تلك السياسية راسخة في العهد الجمهوري منذ انقلاب عبد الكريم قاسم، وصولا إلى عهد صدام حسين، مروراً بعهد عبد السلام عارف وغيره.

 هذا المنع لشيعة العراق من المشاركة  بالحكم – الذي تبانى عليه القوم عهداً بعد عهدٍ مع أنّهم الأكثرية حسب كلّ الاحصاءات، وفي مختلف المراحل، منذ أوّل إحصاء جرى عام 1925- جاء وفق مبررات اختلقها القوم زوراً وبهتاناً، بالرغم من أنّ هذا المكوّن سبّاقاً في الدفاع عن العراق وسيادته، وهذا ما شهدت به أحداث ثورة العشرين وغيرها، وكانت تهمة التشكيك بعروبة الشيعة تلاحقهم، وترسّخت في مناهجهم، وتعمّقت في ثقافتهم وما كتبه ساطع الحصري خير دليل ، حتّى قال أحدهم: إنّ الشيعة والغجر لا ينتمون إلى النسيج العراقي، بل هم طارئ عليه.

نعم عروبة الشيعة هذه الأسطوانة المشروخة الراسخة في ثقافة الحكومات السنّية التركية والبعثية والقومية والتي ظهرت بنحو واضح بعد عام 2003 ، وكثر الحديث عنها من المحيط الإقليمي، كان القصد منها عزل الشيعة عن السلطة وأنّ العراق  كما يقولون لا تحفظ عروبته إنْ حكمته المكوّنات التي تؤسس هويته الوطنية بأجمعها حسبما يقرّه دستور 2005 على قاعدة: « لكلّ ذي حقٍّ حقُّه »، بل تكون  عروبته تحفظ فقط بمكوّنٍ واحدٍ، إنْ تمكّن من أنْ يحكم العراق وحده مُغَيّباً الآخرين من الوجود السياسي تغييباً يشارف الموت الجماعي بكلّ أبعاده، وهذا الحديث ليس منقولاً عن إعلام أو قناةٍ أو تصريحٍ بقدر ما هو حديث عن زعماء دول عربية تشكك بعروبة العراق في ظلّ خيمة الجماهير العراقية، وليس أدلّ على ذلك من تصريح الرئيس المصري السابق « حسني مبارك » : بأنّ الشيعة يعيشون في العالم العربي، لكنّ ولاءهم لإيران، ذلك التصريح الذي استوجب ردّ السيّد السيستاني، « راجع في ذلك كتاب الأخ حامد الخفّاف، النصوص الصادرة عن سماحة السيّد السيستاني في المسائل العراقية، ط1، دار المؤرّخ العربي، وثيقة رقم (87)، ص147»، وهو بذلك يشكك في هويتهم الوطنية وانتمائهم القومي والسياسي، وذات التصريح صدر عن ملك الأردن عبد الله قائلاً: « إنّ وصول العناصر الشيعية إلى الحكم معناه استيلاء من هم ليسوا بعرب على حكم العراق العربي ، ومعناه أنَّ تكاملاً للمثلّث الشيعي سيظهر في المنطقة يضرّ بعروبتها، ونفس الكلام تكرر من مسؤولين سعوديين وقطريين وغيرهم، والقائمة تطول.

ولا نعرف كيف لا يكون العراق عربياً إنْ حكمته مكوّناته الأساسية، ويكون عربياً إنْ حكمه مكوّن واحد؟ ولماذا إذا حكمه الشركس والسلاجقة والأتراك كان عربياً، وإذا حكمته مكوّناته التي استوطنت على أرضه قروناً يكون مشكوكاً بعروبته، تلك شنشنة أعرفها من أخزم، لقد حكم العراقَ الأتراكُ 400 سنة ولم نجد من يشكك بعروبته، وحكمه المماليك من القفقازيين والجورجيين والشركس قرابة (80)، عاماً ولم يشكك بعروبته، وحكمه الخطّ العثماني العسكري التركي مدّعي العروبة زيفاً إلى درجه أنَّ عبد المحسن السعدون انتحر وقد ترك وصيته باللّغة التركية، ولم يشكك بعروبته، ولكن حينما حكمته الإرادة الشعبية الوطنية الشيعيّة  نعق ناعقهم تباكياً على عروبة العراق، ونشروا ثقافتهم زوراً وبهتاناً بأنّ العراق مُصادر العروبة، وأنّه في طريقه لينسلخ عنها، ويكون مستعمرّة صفويةً، وملأت الأكاذيب الكتب والإعلام إلى درجة أنّ أحدهم يقول: إنّ الجيش العراقي الذي تأسس بعد عام 2003 يتكلّم باللغة الفارسية وآخرون يقولون: إنّ اللغة الفارسية صارت اللّغة الرسمية لمدينة العمارة وكربلاء والنجف، وغيرها من التهم الباطلة.

يا شيعة العراق ليس أمامكم إلّا الثبات والتمسك بكلّ قوّة بتجربتكم السياسية، فهي قدركم، فإنْ أخفق البعض من السياسيين فإنّ هذا لا يمكن أنْ يدعونا إلى أنْ نكون كخرقاء مكّة التي نقضت غزلها بعد قوّة انكاثا، فقال عنها تبارك وتعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل : 92]،  ولا نتخلّى عن حقّنا السياسي مهما كان الثمن ,فإنّ غداً واعداً ممهّداً لحضارة الاسلام وحكمه الأكبر ستؤسسون له بعون الله . « اللّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً… ».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *