اسم الكاتب : أميمة محفوظ
في هذا العالم الذي يعج بالخطابات الرنانة والشعارات البراقة، تتكرر على مسامعنا كلمات مثل “التغيير الاجتماعي “، “العدالة”، “المساواة”، و”الحرية”.
تلك الكلمات تلمع كأمل يدعونا للحلم بعالم أفضل وأكثر إنسانية , ومع ذلك، تبقى هذه القيم في كثير من الأحيان مجرد أصداء تتردد ولا تتجاوز حدود المنصات والخطب , كلما حاولنا الاقتراب منها وتلمس وجودها في حياتنا، نشعر وكأنها سراب يبتعد كلما اقتربنا منه؛ هي وعود مغرية، نعم، لكنّها تظل في الغالب حبيسة الكلام عن واقع الناس اليومي وتحدياتهم ,
خذوا على سبيل المثال مفهوم “العدالة بين الأجيال “، فهو يبدو كحلم جميل يحلم به الجميع، لكن هل هو حقيقة موجود ؟ الواقع لا يعكس سوى غياب هذه العدالة .
هنا نجد أن ابن الثري أو رجل الأعمال يحصل منذ نعومة أظافره على كل ما يمهد له طريق
المستقبل ، من أفضل المدارس إلى فرص لا حصر لها ، بينما طفل آخر من عائلة بسيطة يقاتل كل يوم فقط ليحصل على أساسيات الحياة ، يذهب إلى مدرسة لا توفر له نصف الفرص التي يتمتع بها غيره ، ويعيش تحت وطأة القيود الاجتماعية والاقتصادية التي تحدّ من طموحه .
هذا التفاوت لا يبدأ فقط من المقاعد الدراسية ، بل يمتد إلى أبعد من ذلك ؛ فمنذ الصغر، يتلقى طفل العائلات الميسورة أفضل تغذية ، وأفضل تعليم، ويتعلم لغات أجنبية ( وهو في سن
الخامسة فقط ) ، في حين قد لا يتقن طفل من طبقة بسيطة حتى لغته الام جيدا .
هذه الفوارق تضع حاجزاً واضحاً بين من يتمتع بامتيازات لا حصر لها وبين من لا يجد حتى درهما واحداً ليشتري به خبزه يسد بها رمقه ؛ وهكذا ينشأ حاجز ضخم يباعد بين من يملك كل شيء ومن لا يملك سوى الأمل .
وفي وسط هذا ، تأتي مؤسسات كبرى وتدّعي رفع راية “الحرية” و”حقوق الإنسان” لكن عوضا عن دعم هؤلاء البسطاء ، نكتشف أن أغلب هذه القيم تروج لخدمة مصالح خفية، وتفرض كمفاهيم بعيدة عن حاجة الناس الحقيقية.
تلك المؤسسات المسيطرة، بيدها زمام السلطة ، تستمر في تعزيز نفوذها وترسيخ سيطرتها، وتجعل من هذه المصطلحات البراقة أدوات لتضليل الرأي العام وتلميع صورة اللامساواة.
وتفرض قيما تناسب توجهاتها، وتخدم أهدافها وأجنداتها الضمنية في تعزيز نفوذها ؛ هذا هو الواقع الذي نعيش فيه، واقع مليء بالتناقضات، حيث الشعارات الجذابة ترفع , لكن الواقع يسير باتجاه آخر ؛ فالتغيير المزعوم لا يخدم غالبا الا من يملك النفوذ , فيما يبقى الفقير رهيناّ لنفس الدائرة، يحاول كسر قيود الحياة دون جدوى.
في النهاية، يجد الإنسان العادي نفسه تحت وطأة هذه الشعارات التي لا تلامس واقعه ؛ تلك “الشعارات الطنانة” التي كانت تملؤه بالأمل، تتحول إلى وهم ، وأحلام مثالية يصعب تحقيقها، ويستمر الصراع اليومي دون أن تغير هذه القيم من حياته شيئا .