نوفمبر 21, 2024
image_870x_6627f739c4358

الكاتب : حامد العطية

 يحي الأرمن هذه الأيام ذكرى الإبادة التركية لما يزيد على مليون أرمني، ومنذ حدوث المذبحة لا يكل ولا يمل الأرمن من استرجاع ذكراها والمطالبة باعتراف دولي بحدوثها وتحميل الأتراك المسؤولية عنها، وبفعل إصرارهم ومثابرتهم تحقق لهم الكثير مما يصبون إليه، وهم بذلك قد حفظوا ذكرى ضحاياهم الأبرياء وقدموا خدمة جليلة للإنسانية، لأن من يغفل أو يتغافل عن الجرائم الكبرى يتستر على مرتكبيها ويشجع على اقتراف جرائم إبادة أخرى، لذا فالواجب على كل إنسان مؤمن بقيم العدالة إدانة المذابح التركية للشعب الأرمني.

    تعرض شيعة العراق لمذابح كثيرة، في تاريخهم البعيد والقريب، والجاني في البعض منها هم الأتراك أيضاً وأدواتهم الطائفية في المنطقة، ولم ينافسهم في هذا المضمار القذر في القرنين الماضيين سوى الوهابيون السلفيون التكفيريون، ونكتفي هنا بالتذكير بمثالين على هذه المجازر العظمى.

    قبل أيام معدودات وبالتحديد في العشرين من نيسان حلت الذكرى السنوية لمذبحة كربلاء، ففي مثل ذلك اليوم من عام 1802م هجم جيش الوهابيين بقيادة آل سعود على المدينة، فلم تصمد أمامهم أسوراها الطينية، وهرب واليها التركي وجنوده. كان للقوة الوهابية المهاجمة ثلاثة أهداف: تدنيس حرمة قبر الإمام الحسين بن علي عليه السلام وقتل أكبر عدد من أهالي المدينة والنهب والسلب، والوهابية كانوا وما يزالون قبليين متطبعين على القتل وإسلامهم كما أسلافهم المنافقون المحرفون للدين مجرد واجهة لإضفاء الشرعية على ناموسهم القبلي الهمجي. بعد اقتحام المدينة استباحها جيش الوهابيين ليوم أو أيام قليلة، قتلوا خلالها الألاف من سكانها العزل، وتتفاوت تقديرات عدد الضحايا بين خمسة ألاف إلى عشرين ألفاً، وأي العددين كان صحيحاً فهو كاف للحكم بأنها مذبحة وجريمة ضد الإنسانية، وانتهك أوباش الجزيرة حرمة قبر الإمام حفيد الرسول الأعظم وعاثوا في مسجده فساداً، ونهبوا الكنوز التي أهداها خلفاء وملوك للمقام من أموال ونفائس، وسرقوا أثاثه وفرشه وسجاده، وتروي المصادر التاريخية بأن الحاكم السعودي استعمل الأموال التي نهبها من كربلاء في تمويل حملته على الحجاز واحتلال مكة المكرمة والمدينة المنورة وفرض مذهبه التكفيري على سكانها.

    المذبحة الثانية بحق كربلاء وأهلها ارتكبها جيش الوالي العثماني نجيب باشا وبمشاركة قبائل كردية وعربية سنية مدفوعة بأحقاد طائفية، وبعد اقتحام المدينة هجمت قوات الوالي على المدنيين اللائذين بحرمة مرقد الإمام العباس بن علي عليهما السلام وقتلوا منهم المئات، ويروى أن القائد نجيب باشا تعمد دخول المسجد على صهوة جواده، وبلغت حصيلة القتلى النهائية من المدنيين أربعة ألاف بأقل تقدير.

  تورد القليل من مصادر الشيعة التاريخية هذه المجازر، ونادراً ما يتذكرها عامتهم، ولا بد من وجوب أسباب تدفع بهم إلى طرحها جانباً من ذاكرتهم الجماعية، وبالتأكيد لم يصفح الشيعة عن قتلة أجدادهم من السفاحين الوهابيين والأتراك وصنائعهم الطائفيين، وأحفاد هؤلاء السفاحين لم يتركوا فرصة للشيعة لينسوا أو يصفحوا، فالعداء الوهابي والتركي للشيعة مستمر، وبأعلى درجاته، فالأتراك يستعملون كل الوسائل لإضعاف الشيعة وحرمانهم من القليل من حقوقهم السياسية التي اكتسبوها مؤخراً، والتدخلات التركية في الشؤون العراقية مستمرة ومتصاعدة، وهم في الوقت الذي يرفضون منح أكرادهم حقوقهم الثقافية الأساسية يتحالفون مع حكومة إقليم كردستان ويشجعونها على التمرد على الحكومة المركزية، والحكومة التركية متهمة بدعم الإرهابيين الذين استولوا على ثلث العراق وقتلوا عشرات الألاف من شيعته ويهددون استقراره ووحدة أراضيه، كما تستمر تركيا في حرمان العراق من كامل حصته المائية في نهري دجلة والفرات.

    أما حكومة آل سعود فهي لا تخفي عدائها لشيعة العراق، وتتهمها أطراف عراقية عديدة بتمويل الإرهاب وامداده بالرجال والسلاح والفتاوى الحاثة على قتل رجال الشيعة وسبي نسائهم، وتجاهر السعودية اليوم ومن خلال حربها على اليمن بمعاداة الشيعة والسعي للقضاء عليهم في كل البلاد العربية والإسلامية.

      حفظ الأرمن ذكرى الإبادة التركية لأجدادهم، ولا ينسى اليهود مذابح النازية، وحتى اليوم يلاحقون بقايا النازيين ويفرضون على الدول محاكمتهم وحبسهم، كما طالبوا الحكومة الألمانية بدفع تعويضات باهظة للكيان الصهيوني، واسترجعوا الحسابات المصرفية والتحف واللوحات الفنية التي استولى عليها النازيون وغيرهم أثناء الاحتلال النازي لدول أوروبا، وضغطوا على حكومات أوروبا لتشريع قوانين تعاقب المنكرين لحدوث الإبادة.

   ما هو موقف شيعة العراق من أحفاد قتلة أجدادهم ومدنسي مقدساتهم من الاتراك والسعوديين؟ إنهم يتوسلون رضا الأتراك والسعوديين، فلا يغضبون ولا يحتجون لو انتهك الاتراك سيادتهم ووفروا المأوى للإرهابيين المحكوم عليهم بالإعدام، بل يكتفون بالعتب الرقيق، هذا إذا واتتهم الشجاعة على التفوه بذلك، وبينما يطأطأ قادة الشيعة رؤوسهم أمام عنصرية وعنجهية الأتراك يتهافت اتباعهم على شراء البضائع التركية والسعودية وكأن الدنيا خلت من بضائع سواهما، ويسارعون لإبرام الاتفاقات التجارية وفتح مجالات الاستثمار للشركات التركية ذات الصلات المشبوهة بالكيان الصهيوني، وتنطبق نفس الملاحظة على شيعة إيران.

    منذ سنوات وقادة شيعة العراق يبشرون أتباعهم باقتراب موعد افتتاح السعودية لسفارتها في بغداد وكأنها الشارة باقتراب زمن الظهور، ولو حدث ذلك فلن أستغرب لو أقاموا الاحتفالات ووفوا بالنذور، ولسبب واحد هو أن شيعة العراق متطبعون على الذلة والمسكنة تجاه الغير، وكل ما يريدونه أن يحوزوا على رضاهم ولو سفكوا دماء عشرات الألاف منهم ودمروا مدنهم وقراهم وانتهكوا حرمات مقدساتهم، وما يردده البعض منهم بأنهم حريصون على تجنب الفتن دجل يقنعون به خنوعهم وعجزهم، وهم بذلك يخالفون الواجب الشرعي والإنساني برد العدوان.

   ليس الغرض من تذكر المجازر المرتكبة بحق الشيعة الانتقام أو اذكاء العداوات وإنما احقاقاً للعدل ومنع تكرارها، وفي هذه القضية وغيرها فشل قادة العراق المدنيون والدينيون فشلاً ذريعاً وساهموا في ذلك بإضعاف طائفتهم أمام أعدائهم المصرين على استئصالهم أو على الأقل إذلالهم والتحكم بمصائرهم، وهم بذلك جنوا ويجنون على أنفسهم، فقد تكررت المجازر وستتكرر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *