الكاتب : حامد العطية
من أقوال الفيلسوف فردريك نتشة: الجنون بين الأفراد استثناء نادر لكن في الجماعات والأحزاب والأمم والأزمنة هو القاعدة.
لو اعتبرنا الحرب دليلاً على جنون البشر فيمكن الاتفاق مع ملاحظة نتشة بخصوص جنون الأمم والدول، فما تاريخ البشرية سوى سجل لحروبها المتواصلة، والأفراد يصابون بالجنون أيضاً فيقدمون على القتل والمجازر البشرية، ويؤكد المختصون في الصحة العقلية بأن المصابين بمرض الشيزوفرانيا أو الفصام لديهم استعداد مضاعف لممارسة العنف من غيرهم، كما أن نزعتهم للقتل تبلغ عشرين مرة أعلى من الأسوياء، وتقدر نسبة القتلى على أيدي الفاقدين لعقولهم 5 إلى 10 بالمئة من مجموع ضحايا جرائم القتل، والأخطر من ذلك هو أن نسبة أعلى بكثير من حالات القتل الجماعي أو المجازر والإبادة الجماعية تقترف من قبل معتوهين.
في عام 1999م درس همبل وعدد من الباحثين في جامعة شمال تكساس ثلاثين حالة قتل جماعي في أمريكا وكندا في الفترة ما بين 1949م و1998م وتبين من نتائجها بأن 20 من مرتكبيها أي ثلثي الجرائم من فعل مصابين باضطرابات عقلية مثل الشيزوفرانيا والاكتئاب الخطير، و15 منهم قضوا فترات زمنية في مصحات عقلية أو ترددوا على عيادات الأمراض العقلية.
وجاءت نتائج مسح لجريدة نيويورك تايمز في عام 2000م لتؤكد وجود صلة قوية بين الاضطراب العقلي واقتراف الجرائم الجماعية أيضاً، وشمل المسح 100 حالة قتل جماعي بين عامي 1949م و1999م، وأظهرت النتائج أن ما يزيد على نصف القتلة مصابون بأمراض عقلية خطيرة، وكان غالبيتهم يعانون من الشيزوفرانيا.
الإحصائيات المتوفرة حول عدد ونسب المصابين باضطرابات عقلية مذهلة ومخيفة، إذ تقدر بعض المصادر بأن ربع الأمريكيين يعانون من أمراض عقلية، ووفقاً للأرقام التي تنشرها منظمة الصحة العالمية فإن عدد المرضى المصابين بأمراض عقلية في العالم يزيد على 450 مليوناً، كما أن واحدة من كل أربع عائلات تضم فرداً يشكو من مرض عقلي.
المعلومات عن أعداد المصابين بعلل عقلية ونفسية في العالمين العربي والإسلامي قليلة وغير مكتملة، لكن المتوفر منها مثير للاهتمام، ففي السعودية مثلاً قدرت إحدى المختصات في الصحة العقلية والنفسية عدد المرضى في هذا المجال بحوالي نصف سكان المملكة، مما يشير إلى وجود تحديات كبرى في البيئة الاجتماعية وظروف الحياة في السعودية ودول عربية وإسلامية أخرى تشترك معها في إرثها الثقافي والحضاري والظروف الاجتماعية، إذ يرى المختصون الذين يعزون الأمراض النفسية والعقلية لأسباب اجتماعية أن الفرد غير القادر على التعامل مع الضغوط الاجتماعية يلجأ لاصطناع دفاعات فكرية تؤدي به إلى المرض العقلي أو النفسي.
يمكن السيطرة على الأمراض العقلية بالعلاج المناسب، لكنه غير متوفر لكافة المحتاجين وخاصة في الدول الأقل نمواً، ومنها الدول العربية والإسلامية، فالطاقات الاستيعابية في المستشفيات والعيادات الحكومية محدودة وكلفة العلاج في المصحات الخاصة باهظة، كما تعتمد فاعلية العلاج على توفر الدعم المعنوي من البيئة الاجتماعية والثقافية، وللعائلة دور هام في ذلك، وكثيراً ما تتولى العائلة في المجتمعات العربية والإسلامية العبء الأكبر في العناية بأفرادها الذين يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية.
تشهد معظم البلدان العربية والإسلامية حالات قتل جماعي يومي وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وهي في ازدياد مضطرد، وغالبية مقترفي هذه الجرائم الإرهابية هم عرب ومسلمون يعتقدون بأنهم يطبقون فهمهم لأحكام الإسلام، واستناداً إلى نتائج البحوث والدراسات حول وجود ارتباط بين القتل الجماعي والجنون يمكن الاستنتاج ولو بصورة مبدئية بأن بعض مقترفي هذه الأعمال الإرهابية المنطوية على قتل جماعي مصابون بلوثات عقلية خطيرة مثل الشيزوفرانيا، اجتذبتهم الدعوة التكفيرية لإباحتها القتل الجماعي واقتراف المجازر بغير المسلمين ومن يخالفها في فهم الدين ولا يذعن لسيطرتها، فهم مصابون بلوثات عقلية غير معالجة قبل انضمامهم للحركات التكفيرية، وتدينهم هو مجرد غطاء أو ذريعة لممارسة القتل الجماعي.
يوجد اليوم مئات الألاف من الإرهابيين وأعوانهم وربما الملايين المستعدين للالتحاق بصفوفهم لو واتتهم الفرصة، ولا توجد طريقة للتخلص من جرائم الإرهابيين المعتوهين سوى القتل أو الحبس المؤبد في مصحات عقلية، لكن من الممكن تقليل عدد الإرهابيين الجدد من خلال محاربة العقائد التكفيرية المشجعة على سفك الدماء وتوفير العلاج النفسي والعقلي للذين يخشى من استفحال علاتهم وتحولهم إلى تكفيريين إرهابيين فيما بعد.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والإصلاح ووسيلة كبرى هي التعلم)
20 حزيران 2015م