الكاتب : سامي جواد كاظم
محمد مهدي الجواهري شاعر فلتة العراق يشهد له من عاصره ومن بعده وبالرغم من انني لا علاقة لي بالشعر لكنني اتحدث عنه كانسان بعد ما اطلعت على مذكراته ، هناك من قال عنه شيوعي وملحد وحتى قيل عنه بعثي ، حقيقة انه انسان يعشق الانسان ومشاعره البريئة ينتقد الحكام لكنه لا ينتقد السياسة ينتقد بعض رجال الدين لكنه لا ينتقد الدين ينتقد ظواهر اجتماعية سلبية في مجتمعه لكنه يعشق مجتمعه عاصر حكام العراق من ملك فيصل الى حكم البعث وبالاجمال كان رايه الايجابي عن الوصي عبد الاله بانه حقا يحب العراق والعراقيين اما البقية فالقدح نصيبهم .
صراحته خطيرة عن المواقف التي عاشها ذكر ما لم يتجرا غيره على ذكره بل انه لمح لبعض هذه الظواهر دون ذكر الاسماء لكن من خلال التاريخ والوصف نصل الى المقصود .
ومن روائع صراحته ذكر تشبث الابناء بتاريخ الاجداد قائلا ” اكتفى الابناء بالمجد الذي حققه الاباء واتكأوا على عصي الوراثة والقابها وفخفخاتها وبلا جدارة احيانا كثيرة مكتفين بالقول كان ابي واصبحت الزعامة المركزية بالنسبة لهم وسيلة للاثراء والوجاهة وراحة البال ، ولكي لا اكون متجنيا على احد سابدا مستشهدا بعائلتي نفسها ( الجواهرية ) فقد ارتبط اسم اسرتنا بجدنا الفقيه الكبير ( الشيخ محمد الحسن ) النجفي المولد وسبعة من ابائه ، والمسمى باسم موسوعته الفقهية ” جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ” ، واليه تعود تسميتنا بالعائلة الجواهرية
وبموجب نظام الوراثة انتقلت الزعامة الدينية من الشيخ ( صاحب الجواهر) الى ابناء واحفاد لم يكونوا جديرين بها امثال جدي عبد العلي الذي كان بعيدا عن الاهتمام العلمي ، انما هو من طبقة الاشراف المدللين ، فقد كان حسيا يفضل متع الدنيا وراحة البال والسفرات خارج العراق وكثرة الزوجات (مذكراتي 1/76 ) .
واما ما يخص المجتمع النجفي الديني فانه ذكر حادثة له مع زعيم شيعي حسب ما ذكر وذلك عندما تاخر زواجه بسبب عدم توفر الصداق لديه يقول :” لجات الى زعيم شيعي يعرفني ليشفع لي عند الشيخ النائيني لاحصل على مساعدة ، فكان يرفض طلبي ، الا انه فاجاني بقبول تشفعه لي وذهبنا الى الشيخ النائيني وجلستنا لم تدم الا دقائق فنهض النائيني وجاء بصرة فيها الليرات وسلمها له ، وخرجنا وانا اتمشى معه وانتظر ان يسلمني المال حتى وصل الى داره فدخل بيته ولم يعطيني المال (1/130ـ 131)
واما شعره الذي كتبه منذ صباه وحتى اخر ايامه فانه مشهود له في كل الساحات الادبية وشهد له اعمدة الادب العربي وكان يلقي شعره عندما تنتفخ مشاعره بحدث مهما يكن سياسي اجتماعي غزلي فتنهدر كلماته بمنتهى الفصاحة والبلاغة والموسيقى المؤثرة .
هنالك شخصيات كثيرة تطرق لها في مذكراته بين النقد والمديح والحديث عنهم يطيل المقام والمقال لكن نستشهد بما يثير الجدل مثلا يقول عن شخصية عبد المحسن السعدون (ت 1929م) الذي مات منتحرا يقول الجواهري عنه : لقد اتهم زورا وافتراء بما اتهم به من علاقة وثيقة بالانجليز واعتبره شهيد ، كان الرجل زعيم منطقة الفرات الاوسط كلها ويتبوأ مكانة كبرى بين عشائر الفرات الاوسط لا يزاحمه عليها حتى امير ربيعة ( مذكراتي 1/203)
امتدح كثيرا شخصية المرجع الاعلى السيد ابي الحسن الاصفهاني ، امتدح تواضعه وبساطته وشخصيته وعلميته ، كما انه عاش الاحداث في النجف بكل تفاصيلها وكتب عنها ما شاهده ، وحتى في بعض ذكرياته يتحدث عن سلبياته وبكل صراحة من باب يؤمن بالحقيقة مهما تكن.
وحكايته مع ساطع الحصري اسهب فيها وانتقد كل من كتب مذكراته ممن كانوا على تماس مع الحادثة التي اثبت فيها طائفيته وعجز الملك فيصل والوزير عبد المهدي المنتفكي من احتوائه الا انه نزولا عند رغبة الشبيبي والصدر كتب استقالته وتركه، والايام من بعده اثبتت خطا الحصري الذي كان كثيرا ما يحاول التشبث بالانساب الفاخرة بينما كل من كتب عنه مثلا وليم كليفلاند اثبت انه ليس عربي بل تركي ويقول الجواهري ولماذا لا يقول انا تركي وهل التركي عيب بل ان لتركيا تاريخ عريق وهنالك من العرب بلا تاريخ .
واختم مقالي ما قاله الجواهري عن النجف الاشرف وهذا رايه قد لا يستحق التعميم فكثير من المجتمعات في العالم فيها مثل هذا الوصف يقول ” وما اريد قوله بتحفظ وارد تقريبا على لسان كل عارف لهذه البيئات ولاسيما تلك التي يسيطر عليها الدين بما صلح منه ولم يصلح وبما زيف وما حرف وما لم يزيف هو انني عشت بيئة تسيطر عليها الاعراف والتقاليد فيما هو امر مفروغ منه في المجتمعات الاخرى
هذا في ظواهر الامور منها اما في بواطنها وخفاياها فكل ما يتجاوز الحدود من شبهات وريب فيما بين الجنسين واذا نزلت على حكم الصراحة المطلوبة لمن لا يحرف التاريخ فحتى بين الجنس والجنس ولا اريد وانا بهذا الصدد وفي معرض تلك المجتمعات ان اكثر الشواهد باشعاري في هذه الذكريات ( 1/127)