الكاتب : علي المؤمن
رداً على استفهامات الأحبة القراء والمتابعين، ومداخلاتهم واعتراضاتهم، والذين علقوا على العام أو راسلوني على الخاص أو اتصلوا، بشأن بعض مضامين دراسة “المستقبل الشيعي بعد السيستاني والخامنئي”، التي بدأتُ بنشر قسمها الأول في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وخاصة ما يتعلق بأسماء المرشحين لمواقع المرجعية النجفية والمرجعية القمية وولاية الفقيه؛ أقول:
فيما يتعلق بالأسماء الواردة والتي سترد، ومعايير فرزها وترشيحها؛ فأنا لا أتحدث في إطار قناعاتي، إنما أكشف عن الواقع الذي يصنعه الرأي العام الحوزوي، أي أنني أصف الواقع وأدرسه وأحلله، كما أراه وأتشوفه، بعيداً عن رغباتي وترجيحاتي ومعاييري الخاصة، وهو ما يفرضه منهج علم الاجتماع الديني الشيعي الذي أكتب في إطاره.
أما قناعاتي بشأن مستقبلية منظومة المرجعية وشروطها الواقعية المطلوبة ومعايير الاجتهاد والعدالة والاعلمية والكفاءة وسايكولوجيا المرجع وصلاحيات المرجع وتساوق المرجعية والقيادة ومجلس أهل الخبرة لترشيح المراجع؛ فقد طرحتها في كتابي “الاجتماع الديني الشيعي”، وخلاصتها:
1- إن عنوان المرجعية ليس عنواناً علمياً وإفتائياً وحسب، لأن المرجع الديني الشيعي، وخاصة المرجع الأعلى المتصدي للشأن العام، ليس مفتياً، شأنه شأن المفتي السني، ولا أستاذاً متبحراً في الفقه والأصول والتفسير والرجال والدراية، شأنه شأن الأستاذ الجامعي، بل إن عنوان المرجعية يساوق القيادة الاجتماعية الدينية، وهو ما تفرضه ولاياته الحصرية على الفتوى والحقوق الشرعية والقضاء والنظام العام، كما ورد في أحاديث أئمة آل البيت.
2- لا يمكن لمفهوم الاجتهاد التقليدي ولا مفهوم الأعلمية الموروث، والتي يصعب إحرازها، أن يكونا معيارين كافيين لإفراز المرجع الأعلى، وفق صلاحياته العامة الواسعة؛ بل أنهما معياران ينفعان لفرز الأستاذ الأكبر والمفتي الأعظم.
3- إن الكفاءة في المرجع الأعلى هو شرط أساس، وليس مكملاً، كما أنه ليس مرجحاً في حال كان هناك فقيهان متساويان في الأعلمية وحسب؛ إنما يكون مرجحاً حتى في حال كان هناك فقيهاً أعلماً وفقيهاً أكفأً، وهنا تكون الكفاءة هي المرجحة، والمتقدمة على الأعلمية. والمقصود بالكفاءة هنا: ملكة التدبير والإدارة والقيادة والحكمة والبصيرة بالشأن الحوزوي والشأن العام.
4- إن مفهوم (المرجع الأصلح)، هو المفهوم اللصيق بمتطلبات الواقع الشيعي وحاجاته وآماله، والمراد منه المرجع الذي تتوافر فيه شروط الاجتهاد والعدالة والكفاءة مجتمعةً؛ وإن لم يكن أعلماً، أي أن المرجع الأصلح هو المؤهل لمنصب المرجعية العليا والزعامة الدينية للشيعة في كل العالم.
5- إن شرط العدالة، هو الآخر، بحاجة إلى إعادة تعريف وتكييف، ينسجمان مع حقيقة موقع المرجعية وصلاحياتها ومساحات عملها؛ فلا يكفي أن يكون الفقيه حائزاً على ملكة التقوى وعدم الظلم وحسب؛ إنما أن يكون المرجع الأعلى عادلاً في اهتمامه بكل شؤون الشيعة في كل العالم؛ بما في ذلك حقوقهم وحرياتهم المذهبية والسياسية والمدنية، وأمنهم الفردي والمجتمعي، وليس عباداتهم وشؤونهم الدينية المحضة وحسب، وبخلافه ستكون هناك علامات استفهام كبرى على عدالة المرجع الذي يرى أتباعه يظلمون ولا يتحرك نظرياً وعملياً للدفاع عنهم ونصرتهم، حتى وإن كانوا في أقصى بقاع الأرض، بل ليس من العدالة أن لا يفكر المرجع بتعزيز قواعد الوقاية لشيعة العالم في مواجهة كل أنواع التحديات العقدية والفكرية والثقافية والمجتمعية والمعيشية والسياسية.
6- إن المرجعية الشيعية لا يمكن أن تكون مرجعية محلية أو وطنية أو قومية، إنما هي مرجعية عالمية تتجاوز حدود المدن والبلدان والقوميات؛ بوصفها قائدة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وبالتالي؛ لا يكون المرجع مرجعاً أعلى إلّا إذا حاز على تقليد أغلبية الشيعة في كل العالم، وليس أغلبية شيعة العراق أو إيران أو بلدان الخليج وحسب. ومن خلال ذلك يتم قياس أحجام المرجعيات ودائرة نفوذها الاجتماعي الديني. وهو ما ينطبق على الشياع أيضاً؛ فالشياع والانتشار والشهرة في قرية أو مدينة أو بلد أو بين أتباع عشيرة وقومية، ليس له قيمة ولا يعد معياراً؛ إنما المعيار هو الواقع الشيعي من المغرب العربي وحتى اندونيسيا.
7- إن مهاماً بتلك الضخامة والسعة والخطورة؛ بحاجة إلى عمل مؤسساتي كبير، ومجالس ترشيح وتخطيط واستشارة ورقابة وتنفيذ بإشراف المرجع الأعلى؛ من أجل استيعابها، وحسن إدارتها.
8- إن تنويع المهام وتوزيعها وضبطها، محلياً وعالمياً، بين المرجع الأعلى من جهة، والولي الفقيه من جهة أخرى، وباقي مراجع التقليد من جهة ثالثة، ومؤسساتهم ووكلائهم؛ تتطلب وجود تدابير مؤسساتية عالية المستوى والدقة؛ من أجل تكامل الأدوار وصيانة وحدة الموقف الشيعي، المحلي والعالمي.
أنظر: التفاصيل والشروحات والاستدلالات والتوثيق في كتاب “الاجتماع الديني الشيعي: ثوبت التأسيس ومتغيرات الواقع”