الكاتب : ضياء الشكرجي
أنا أعتبر اليوم إن العائق الأكبر أمام أي مشروع للتحول الديمقراطي في أي بلد من البلدان ذات الأكثرية المسلمة، هو الإسلام. لست ضد الإيمان بالإسلام، والتدين بموجبه، طالما يكون شأنا شخصيا محضا. ولكن عندما يكون الإسلام له تأثير على الحياة العامة، ولا أقول باعتماد الإسلام السياسي على وجه التحديد، بل تأثيره على الحياة العامة، سيجعله مؤثرا على السياسة، لأنها جزء من الحياة العامة، ومن هنا ستكون البداية لتسييس الدين. لولا الإسلام لما كان هناك سنة وشيعة، ومشكلة أساسية من مشاكلنا الكبرى هي كوننا سنة وشيعة. ولذا مع احترامي لمن يخالفني، شخصيا لم أعد شيعيا بأي درجة كانت، ولا أشعر بالانتماء إلى الشيعة حتى كانتماء اجتماعي، بل أنا أنتمي حصرا للمواطنة وللإنسانية فقط وفقط. يجب أن تتخلى المجتمعات المسلمة كليا عن التمذهب والتطوؤف، وتتخلى عن كونها تنتمي إلى أمة سنية، أو أمة شيعية. أعرف إنك لا تدعو إلى الأمة الشيعية العابرة للحدود، بل يهمك شيعة العراق، والذين تحب أن تسميهم شيعة الوسط والجنوب، لأنك لا تعترف بوطن اسمه العراق، كما أفهم من مقالاتك. أعرف إن الإرهاب هويته سنية على الأكثر، دون أن أوصم أكثرية السنة بالتأييد للإرهاب. وسبب إن هويته سنية لأنه ينتمي إلى (الإسلام الأصيل)، إسلام السلطة عبر أربعة عشر قرنا، فإنه ينتمي إلى إسلام المدينة، إسلام الدولة والقتال (في سبيل الله؟). ولا أضمن إن الشيعة لو كانوا هم الذين أمسكوا بالسلطة كانوا سيسلكون سلوكا مختلفا إلا بشكل محدود، ربما لأن عليّا في آخر سنوات عمره كان بصدد تأسيس إسلام حسب فهمه يختلف عن إسلام المدينة، أو إسلام المؤسس، بينما في صباه وشبابه كان عليّ غير عليّ في شيخوخته، لاسيما في الفترة من وفاة فاطمة حتى مقتله. في شبابه كان بتقديري مسلما أصوليا متشددا، وأصبح في شيخوخته مسلما ليبراليا إنسانيا.
أما سؤالك لماذا لم ينسلخ العلمانيون السنة عن طائفتهم، فأقول لأن الذين لم ينسلخوا طائفيون، ثم ليس كل من لا ينتمي إلى الإسلام السياسي هو علماني، فهؤلاء لا يلتقون مع العلمانيين إلا بمفردة واحدة من العلمانية، والعلمانية، طبعا أعني العلمانية الديمقراطية، لأن الحكومات المستبدة اللادينية لا يمكن نعتها بالعلمانية؛ أقول العلمانية هذه عندي هي منظومة متكاملة لا تتجزأ عناصرها عن بعضها البعض. وكون السنة غير الإسلاميين ولا أقول العلمانيين، من الذين لم يتخلوا عن طائفتهم، فهذا جزء من الازدواجية المتفشية في مجتمعاتنا الشرقية، فترى شخصا ما، ليس علمانيا من الناحية السياسية وحسب، بل تراه ملحدا، ومع هذا يبقى كشيعي أو كسني طائفيا. فالذي يتبنى الانتماء إلى طائفته في الشأن السياسي، شيعيا كان أو سنيا لا يصح أن نسميه علمانيا ولا ليبراليا، مع احترامي، كونك تفهم العلمانية والليبرالية على غير ما أفهم، ربما لأن دماغي مغسول غسلا أورپيا، فاعذرني. أما قولك أني لست من أصول عربية، فأنا أيضا كليبرالي علماني لا أؤمن بالأصول والجذور، فأنا وأبي وجدي وجد أبي مولودون في العراق، ولغة أسرتنا كانت العربية، لذا لم أشعر يوما بالانتماء إلى غير العراق، إلا انتمائي بعد ذلك إلى ألمانيا وإلى أورپا كمواطن ألماني ومواطن أورپي قضيت أكثر من نصف عمري في أورپا، فمن لا يكون له وفاء لوطن ثان عاش جل عمره فيه صدقني لا يكون وفيا لوطنه الأصلي، فأنا أعتبر نفسي مواطنا كونيا، وهذا لا يلغي اعتزازي وتمسكي وحبي لمواطنتي العراقية، كما لم أشعر بالانتماء إلى غير الناطقين بالعربية في العراق، ولا أقول إلى القومية العربية، لأني لم أعد أؤمن بالفكر القومي، كما حصل في فترة قصيرة من شبابي، عندما كنت بعثيا لثلاث سنوات (من 15 – 18 سنة) قبل أن يتحول حزب البعث إلى حزب سلطة مستبد ثم حوله صدام إلى عصابة مجرمة دموية، حاشا للقليلين الذين لم يرتكبوا الجرائم.
وبالنسبة لإيران فأنا منذ البداية، حتى عندما كنت إسلاميا، من أشد الناقمين على النظام الإيراني، ولكني أتمنى للشعب الإيراني التواقة أكثريته للحرية، والناقمة على النظام، التحرر من هذا النظام المتخلف والمتطرف، والذي بزواله سيتنفس الشعب الإيراني نسيم الحرية، ويكون الشعب العراقي أول المستفيدين من زواله، وكذلك سترتاح كل من لبنان وسوريا واليمين، بشرط ألا تكون اليمن تحت سطوة النظام السعودي، لاسيما بقيادة محمد بن سلمان الذي يذكرني في كثير من ملامحه بصدام، أيام كان يسمى (السيد النائب) أي نائب رئيس الجمهورية البكر.
بالنسبة لمناقشة الكاتب المحترم لرأيي ورأي الكاتب عدنان الجعفري في سلة واحدة، فهذا ما لا أوافق عليه. شخصيا غير مطلع للأسف على طروحات عدنان الجعفري، مع احترامي، فربما تكون رؤيتانا متطابقتين صدفة، لكن شخصيا أرى أن تناقش أفكاري بمعزل عما يطرحه غيري، كي لا يكون هناك خلط، فينسب البعض قسما من أفكاري إلى الجعفري، ربما فيما لا يقبل أن ينسب إليه، أو ينسب قسما من أفكاره إليّ، فيما أختلف ربما فيه معه. وفي سؤاله الموجه إلينا الاثنين يلمز من جديد إلى أصولنا غير العربية. يعني كأني به يريد أن يقول (إنتو عجم). وإني كما بينت لم أعرف انتماء في عمري لغير العراق، ولغير الناطقين بالعربية، ولم تكن يوما الفارسية لغتنا، وأنا وأبي محمد تقي، وجدي عبد الحسين، وجد أبي عبد الكريم، كلنا مولودون في العراق، يعني وجودنا منذ القرن التاسع عشر، فهل يريدني أن أشعر بالانتماء إلى أجداد أجدادي، لأنهم ربما كانوا إيرانيين، وربما أفغانا، وربما أكرادا فيلية، لا أدري، ولا يهمني أن أعرف ذلك، فلست من المهتمين بشجرة العائلة؟
أنا ضد دولة تقوم على أساس ديني (مثال: جمهورية إيران الإسلامية وإسرائيل أي دولة مصارع الله يعقوب)، ومن قبيل الأولى أن تقوم على أساس طائفي، شيعية كانت أو سنية.