الكاتب : جمال الناصري
لا شيء يمسك في الجنون ويمنع تسلله الى عقول البشر، بل هو هاجس يعيش في داخل النفس الإنسانية، سوف يقفز الى السطح عندما تتوفر له الظروف و الأسباب..
الجنون عاصفة لا تستثني احدا، قد تجتاح عروش الأمراء والملوك، وقد يصاب به أناس بسطاء، رغم أن موطنه الأصلي ومرتعه الأساس هو مجتمعات الفقر والعوز والجريمة ..
للجنون محطات يتحرك فيها أحيانا يسري بصمت، فهناك جنون غير معلن ، واحيانا يعلن عن نفسه، فيصرح حامله بالجنون، وقد يصل به الأمر ان يهيم في الشوارع، ويمزق ثوبه ويكشف عورته ليصل الى اعلى درجات التحرر من المجتمع ..
الجنون الصامت هو اكثر بكثير من الجنون المعلن ، وابطاله من المثقفين والسياسيين والأدباء والفنانيين ، وقد ينتهي بهم الأمر الى الأنتحار ، فكل الذين اقدموا على الأنتحار عاشوا لحظات جنون قبل التنفيذ ..
المعسكرات، السجون، الغربة ..
صادفت مجانين عدة في المعسكرات، منهم كانوا حقيقة ، ومنهم كانوا مخادعين يدعون الجنون للخلاص من عبأ العسكرية الثقيل، وفي النهاية سوف يتحملون عبأ آخر وهو معاملة الناس للمجنون التي قد تساوي في ألمها مشقة العسكرية وأوامرها المذلة ..
وقد انتجت الحروب جيشا من المعاقين المجانين او المرضى النفسيين، ومنهم من ترك كل مافي الحياة ونام على الأرصفة واعتاش على المزابل ..
السجون قد تكون الرقم الأول في صناعة الجنون، فالسجون ومافيها من تعذيب وانتهاك لفطرة الأنسان، سوف تؤدي في النهاية الى الخلل في التوازن العقلي له، ويفقد نعمة العقل ، وقد يكون الجنون في تلك الحال نوعا من الدفاع عن النفس في الخروج من الشرنقة الضيقة الى فضاء اللاعقل ، كي يفقد الأحساس بالألم المستمر ..
كنا في سجن ضيق يمارس التعذيب به على أيدي جلادين وحوش قساة كخبز يومي حتى وصل عدد المجانين اكثر من العقلاء، أو ربما انتهى العقل تماما، فلايمكن للعقل الصحيح ان يعيش في ظروف قاسية الا بمعجزة ..
مسجون اصيب بنوبة جنون، كان يعزف الليل والنهار في النقر على الباب المؤصد في محجر ضيق معزول مظلم ..(طاك، طاك ، طاك ) ..
لقد كان يتلذذ لوحده في العزف غير المنقطع، ونحن نتعذب ..
للغربة نصيب ايضا في الجنون، وخصوصا بين العزاب الذين يقاسون الوحدة والعزلة في مجتمع غريب، لايشعرون بالأنتماء اليه، ولايستطيعون مغادرته ..
قد يكون كل المعزولين في الغربة مصابون بالجنون في درجات متفاوتة ، ومنهم من يعالج حالته في السكر او تناول المخدرات ، ليخرج من عالمه الكئيب ..
في الداخل ارتفاع نسبة الأنتحار بين صفوف الشباب نتيجة للجنون الذي يجتاح البلاد كالعاصفة المدمرة التي تقلع امامها كل شيء..
(بوابة عزرائيل )