
صباح البغدادي
*كندا لم ولن تكون الولاية الحادية والخمسون الأمريكية نقطة رأس السطر.
** أن الحروب التجارية التي يريد أن يشنها ترامب على جيرانه في كند والمكسيك لا يوجد فيها فائزون ولكن الجميع سيكونون خاسرون بصورة أو بأخرى.
***هذه الفرضية والنظرية التي نحن بصدد مناقشتها في هذا المقام ليس فقط تنطبق على كندا والمكسيك ولكن تنطيق على أي دولة كذلك تقبل استقبال لاجئين فلسطينيين من سكان قاطع غزة وإعادة توطينهم.
جنون هذا الشخص يخيل اليك انه قد اطلاق النار على الجميع ولكنه لا يعلم بانه قد اطلق النار على قدميه في بادئ الامر !
على الرغم من أن كندا تمر حاليًا بأزمة اقتصادية ومعيشية صعبة، حيث تشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المواد الغذائية والمنتجات الحيوانية والسلع الأساسية منذ عدة سنوات، بدأت هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على العائلات، وخاصةً أصحاب الدخل المحدود والمتوسط. بل إن الطبقة التي كانت تُعتبر بين المتوسطة والغنية بدأت تشهد تراجعًا في دخلها مع تفاقم التضخم وفقدان القدرة الشرائية تدريجيًا. وأصبحت بعض السلع التي كانت تُعد أساسية أو كمالية في السابق بعيدة المنال بالنسبة للعديد من العائلات.
هذه الأزمة تفاقمت بسبب أزمة سكن خانقة تعاني منها كندا، حيث ارتفعت الإيجارات الشهرية بشكل كبير، وأصبح شراء المنازل حلمًا بعيد المنال لمعظم الكنديين بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات خلال السنوات الماضية. وسط هذا الوضع، تبدو السياسات الحكومية متخبطة وعشوائية، سواء من حكومة الليبراليين أو المحافظين، مما زاد من حالة الغضب والإحباط بين المواطنين. يمكن ملاحظة هذه المشاعر بوضوح في تعابير الوجوه في الأسواق والشوارع، حيث يسيطر الشعور بالخذلان والقلق على المجتمع الكندي.
وفي خضم هذه التحديات الاقتصادية، جاءت سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الثانية لتفاقم الأزمة. فقد فرضت إدارته رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات الكندية، بما في ذلك الحديد والصلب والألمنيوم، ورسومًا بنسبة 10% على منتجات الطاقة الكندية مثل النفط ومشتقاته والمواد البتروكيماوية وهذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة “أمريكا أولاً”، التي تهدف إلى حماية الصناعات الأمريكية على حساب الشركاء التجاريين، بما في ذلك كندا والمكسيك.
تعد كندا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذه الإجراءات تؤثر بشكل كبير على اقتصادها. فزيادة ضريبية بنسبة 25% تعتبر إجراءً قاسيًا، وسيكون لها تأثير مباشر على الصناعات الكندية، وخاصةً قطاع المعدات والأدوات الاحتياطية وإعادة التجميع الخاصة بالسيارات والمكائن والفولاذ، الذي يوظف ما يقارب 300 ألف شخص في أونتاريو وحدها، وهي أكبر مقاطعات كندا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد.
أما على صعيد المساعدات الإنسانية الدولية، فإن كندا التي كانت دائمًا في طليعة الدول المانحة، تواجه اليوم تحديات كبيرة في مواصلة دورها الإنساني. فمع تصاعد الأزمات العالمية مثل المجاعات والنزاعات المسلحة، أصبحت الحاجة إلى المساعدات الإنسانية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ومع إلغاء الإدارة الأمريكية لأنشطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدوليةوتجميد العديد من برامجها، أصبحت العديد من المشاريع الكندية في وضع حرج. هذا التجميد يهدد عقودًا من التقدم في مكافحة عدم المساواة والمجاعة والأوبئة، فضلًا عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لإنقاذ الأرواح.
هذه الدلائل والمؤشرات والقراءة التي نحن بصدد مناقشتها ومن خلالها قد تجعل معها كندا هدفًا محتملًا أمريكيا وارد جدا لأي محاولة لتحميلها مسؤولية استقبال لاجئين جدد وعلى الرغم من عدم وجود تلميحات أو تصريحات رسمية لغاية الإن ، فإن بعض المؤشرات تشير إلى أن هذه الفرضية قابلة للتطبيق في القريب العاجل لان تاريخ كندا في استقبال اللاجئين وكبلد مرحب بهم ويعتمد عليهم جذريا كايدي عاملة ، يجعلان من هذه الفرضية والنظرية منطقية واقرب للتطبيق على ارض الواقع وقد تكون هذه الصفقة كذلك جزءًا من استراتيجية أمريكية خافية لغاية الإن وأوسع في الوقت نفسه لإعادة توزيع الفلسطينيين حتى بالضفة الغربية منهم على بعض الدول العربية ودول العالم الأخرى.
ومن وجهة نظر استراتيجية أخرى، يمكن فهم هذه الضغوط كجزء من سياسة أمريكية خفية وغير معلنة تهدف إلى تحقيق أهداف وغايات متعددة في نفس الوقت، وبما في ذلك القول بان تخفيف الأزمات الإنسانية في مناطق مثل غزة، وإعادة توزيع اللاجئين على دول أخرى تساعد في حل مشاكلهم الإنسانية والحياتية.
ومع ذلك، فإن قبول كندا لهذه الابتزاز والصفقة قد يكون له عواقب اقتصادية وسياسية كبيرة، خاصة إذا تم تفسير ذلك على أنه استسلام صريح وواضح للضغوط الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين قد يشكل تحديًا لسياسات الهجرة الكندية وقدرتها على استيعابهم وبالأخص السكن حاليا هناك أزمة خانقة بارتفاع الإيجارات وعدم توفر فرص عمل.
نحن نعتقد بان الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها كندا من قبل الولايات المتحدة قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لدفعها نحو قبول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة. على الرغم من أن هذه الفرضية لم يتم تأكيدها رسميًا، إلا أن بعض المؤشرات والتي قد تكون خافت تجعل من هذه السردية قابلة للتطبيق وان لم يتم ذكرها في وسائل الإعلام لغاية الإن ولكن شخصيا هذا ما نراه حاليا وقد يتم تطبيقه وذكره بعدها في وسائل الإعلام في أي لحظة من الإن وصاعدا.
لان هذه الإجراءات الضريبية والضغوط الاقتصادية ستكون جزءًا من استراتيجية أمريكية بعيدة المدى وخفية لغاية الإن وغير معلنة وذلك عن طريق استغلال الوضع الاقتصادي لكندا، ودفعها نحو قبول أعداد كبيرة جدًا من اللاجئين الفلسطينيين، خاصة من قطاع غزة تحديدا. في المقابل، قد يتم إعفاء كندا من هذه الزيادات الضريبية كجزء من صفقة سياسية خفية غير معلنة لغاية الإن.
ولدفع كندا نحو قبول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة وفي المقابل، يتم إعفاء كندا من هذه الزيادات الضريبية كجزء من صفقة خافية غير معلنة لان مثل هذه الفرضية والنظرية التي نحن بصدد مناقشتها الإن تعتمد بصورة وبأخرى على قراءتنا السابقة من تاريخ أمريكا المليء بالدسائس والمؤامرات في استخدام الضغوط الاقتصادية كأحد الأدوات لتحقيق أهداف سياسية.
وعلى الرغم من أن هذه الفرضية لم يتم ذكرها صراحة في وسائل الإعلام حتى الآن، إلا أن المؤشرات التي نراها والمتاحة توحي لنا بأن هذه النظرية قابلة للتطبيق على أرض الواقع، خاصة إذا استسلمت الحكومة الكندية لهذا الضغط الاقتصادي , وبما أن كندا لديها تاريخ طويل في استقبال اللاجئين، حيث تستقبل سنويًا مئات الآلاف من المهاجرين ضمن خططها لإعادة التوطين. وقد سبق لها أن استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا(2011–2024).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل ستُرغم الحكومة الكندية والحكومة المكسيكية على الرضوخ لهذا الابتزاز الاقتصادي والسياسي، أم أنهما ستتخذان موقفًا حازمًا لمواجهة هذه الضغوط بكل ما أوتيتا من قوة؟
لان هذا السؤال سوف يضع كلا البلدين أمام مفترق طرق صعب دون أي شك، فمن ناحية، تعتمد كندا والمكسيك بشكل كبير على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تُعد الشريك التجاري الأكبر لكليهما. أي قرار بمواجهة هذه الإجراءات قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية، مما قد يزيد من الأضرار الاقتصادية على المدى القصير والطويل ولحين انتهاء فترة ولاية ترامب الأربع سنين العجاف
من ناحية أخرى، فإن الرضوخ لهذه الضغوط قد يُعتبر انتهاكًا لسيادة البلدين واستقلاليتهما في صنع القرار. فقبول هذه الإجراءات دون مقاومة قد يُرسل رسالة خاطئة مفادها أن كندا والمكسيك مستعدتان للتضحية بمصالحهما الوطنية من أجل الحفاظ على العلاقات مع واشنطن . هذا الأمر قد يُضعف موقف البلدين في المفاوضات المستقبلية ، ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضًا مع شركاء تجاريين آخرين حول العالم.
لذلك، فإن الخيار الأكثر ترجيحًا هو أن كندا والمكسيك ستسعيان إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من جهة، والدفاع عن مصالحهما الوطنية من جهة أخرى. قد تشمل هذه الجهود عدة إجراءات على سبيل المثال وليس الحصر : التفاوض الدبلوماسي المباشر للوصول الى حلول وسطية قدر الإمكان , وفي اقسى الحالات فرض رسوم انتقامية مضادة , العمل على تنويع الشركاء التجاريينقدر الامكان , تعزيز الاعتماد على الاقتصاد المحلي وزيادة في الاستثمارات الداخلية .
في النهاية، فإن القرار الذي ستتخذه كندا والمكسيك سيكون له تداعيات كبيرة ليس فقط على اقتصادهما، ولكن أيضًا على مكانتهما كدول ذات سيادة في النظام الدولي. فهل ستختاران المواجهة أم الرضوخ؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح العلاقات المستقبلية بين هذه الدول الثلاث في ظل عالم يتسم بتصاعد النزعات الحمائية والصراعات التجارية.