
بين الاجندات والمؤامرات الخارجية وبين الاستغلال والتحديات الداخلية
رياض سعد
الحشد الشعبي العراقي يمثل ظاهرة عراقية ضاربة في القدم ؛ اذ كان العراقيون الاصلاء ولا زالوا ؛ مقاتلين غيارى واباة الضيم , فان لم يجد العراقيون الحشد وجدوا غيره وانخرطوا فيه , اذا توفرت الظروف نفسها , والكل يعلم علم اليقين ان الحشد الشعبي العراقي انبثق عام 2014 بفتوى المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف , كقوة وطنية طوعية رديفة للقوات المسلحة العراقية ومساندة لها ؛ لمواجهة شراذم الارهاب وشذاذ الافاق وعصابات التكفير الاجرامية التي احتلت المدن والمحافظات العراقية وعاثت في الارض قتلا وفسادا وتدميرا وتخريبا وذبحا واغتصابا وسبيا وسرقة واجراما ؛ وبقوة سواعد العراقيين الاصلاء وبالغيرة الجنوبية والحمية العراقية استطاع الحشد الشعبي العراقي تحرير العراق من رجس الدواعش والذباحة الارهابيين والقتلة المجرمين والمرتزقة الدوليين ؛ والحق الهزيمة النكراء بهم , وانتصر عليهم ؛ وضرب ابناء الحشد اروع صور الفداء والتضحية والايثار والوطنية , وسارت بقصص بطولاتهم الركبان , واعجب بشجاعتهم ومروءتهم القاصي والداني , وسجلوا اعظم الملاحم في سجل التاريخ العراقي الخالد .
وللحقيقة والانصاف ان الحشد تشكل وبنسبة اكثر من 90 % من ابناء الاغلبية العراقية الاصيلة ( الشيعة) الا ان مشاربهم مختلفة ؛ اذ اندمجت فصائل المقاومة والحركات الشيعية المسلحة في الحشد ؛ فضلا عن جموع المتطوعين من الداخل العراقي ومن المغتربين العراقيين ايضا والذين هرعوا للدفاع عن العراق والعراقيين عندما اصدرت المرجعية الدينية فتوى بضرورة الدفاع عن العراق , وكذلك انخرطت عناصر الاحزاب الاسلامية والحركات السياسية الشيعية في الحشد ايضا ؛ والاغلبية الساحقة من ابناء الحشد كانوا من المتطوعين البسطاء والذين لا يمتلكون خبرات قتالية وعسكرية , واما عناصر فصائل المقاومة والحركات المسلحة الشيعية ؛ فهؤلاء كانوا عماد الحشد وحربته وقوته الضاربة , لانهم يمتلكون خبرات قتالية وقد دخلوا دورات تدريبية مكثفة وعالية المستوى ؛ وخاضوا العديد من المعارك ضد قوات الاحتلال الامريكي وعصابات ومجاميع الارهاب الدولية و المحلية ؛ واغلبهم سقطوا شهداء في معارك التحرير والنصر , ولم يبق منهم الا النزر القليل ؛ واما مشاركة بقية الطوائف والقوميات العراقية في الحشد فهي لا تتجاوز نسبة ال 10 % , وتكاد تكون نسبة المشاركة الاجنبية والعربية معدومة .
ومنذ ذلك الحين اصبح وجود الحشد الشعبي العراقي ضروريا للحفاظ على التجربة الديمقراطية والامن الوطني والسلم الاهلي ؛ ولم يكتف الحشد الشعبي العراقي بخوض المعارك وبذل الدماء الزكية في سبيل الوطن والمواطن ؛ انما راحت عناصر الحشد الشعبي تشارك في الانشطة والفعاليات الخدمية والانسانية العامة ؛ مما زاد من شعبية الحشد الشعبي العراقي ؛ الا ان البعض لم يرق لها هذه الانجازات الوطنية ؛ فراح يعمل اناء الليل واطراف النهار على تشويه سمعة الحشد الشعبي وافتعال المسرحيات والقصص المبركة للإساءة اليه والتآمر عليه ؛ بينما اخترق البعض الاخر من المشبوهين والفاسدين والمنكوسين دوائر ومقرات الحشد الشعبي العراقي ؛ وبعد المطالبات الجماهيرية ومطالبة النخب العراقية الحرة بضرورة دمج الحشد الشعبي العراقي في هيكلية الدولة ؛ استجابت الحكومة العراقية لتلك المطالب الحقة والمشروعة ؛ ومع الاعتراف الرسمي به كجزء من القوات الأمنية، خُصصت له ميزانيات ضخمة تُدار من قبل قيادات سياسية وعسكرية تابعة لأحزاب متنفذة وحركات وفصائل مسلحة ؛و هنا بدأت تطفو مظاهر الاستغلال والفساد؛ وعندها برزت تحديات خطيرة طالت نزاهة الحشد وسمعته ؛ حيث تم اتهام العديد من قيادات الحشد الشعبي العراقي بالثراء الفاحش تارة , وبالتخابر والتعاون مع جهات خارجية بمعزل عن الحكومة العراقية والمصلحة الوطنية تارة اخرى , وباستغلال البسطاء من عناصر الحشد الشعبي و غمط حقوقهم , والاستيلاء على المناصب الحكومية والسياسية واخذ المشاريع والاستثمارات التجارية والاقتصادية على حساب دماء الشهداء وتضحيات ابناء الحشد الشعبي العراقي تارة ثالثة .
وهكذا اصبح المقاتل الحشدي بين نارين ؛ نار الاستهداف المباشر لأمنه وحياته من قبل قوى الاحتلال الامريكي والمجاميع الارهابية والاحزاب السياسية الطائفية والحاقدة والتي تطالب بإلغائه وحرمان افراده من ابسط حقوق المواطنة فضلا عن حقوق موظفي الدولة ؛ وبين نار استغلال القيادات له , والتعامل معه بمنتهى الغبن والخسة والانانية والنرجسية واللامبالاة .
واليكم ابرز مظاهر الاستغلال والفساد والغبن التي طالت ابناء الحشد الشعبي العراقي :
- اختلاس الرواتب : اذ تشير تقارير محلية ودولية إلى وجود “قوائم شبحية او فضائية ” لعناصر وهمية ؛ حيث تُسرق رواتبهم الشهرية ؛ فبعض القيادات الفاسدة تقوم بتسجيل اعداد وهمية وتحسبها على قوة الحشد الفعلية , وهي مجرد اعداد على الورق فحسب , ولا وجود خارجي لها , مما ينعكس سلبا على الاوضاع الامنية وقدرة المقاتل الحشدي على الصمود والتحمل ؛ فالفصيل او الوحدة التي يتكون عناصرها من ألف مقاتل حشدي مثلا ؛ يقوم امرها برفع العدد الى 2000 مقاتل ؛ اذ تذهب رواتب الاسماء الوهمية الى جيوب الفاسدين من قيادات الحشد الشعبي العراقي ؛ و تستحوذ القيادات على رواتبهم، بينما يُحرم العناصر الحقيقيون من مستحقاتهم لشهور.
- اختلاس المخصصات : كما تُقطع مخصصات العناصر الفعليين تحت حجج بيروقراطية، بينما تُحول الأموال إلى حسابات شخصية لبعض القيادات ؛ فالأموال المخصصة للطعام والعتاد العسكري تذهب الى حسابات شخصية ؛ مما يُجبر المقاتلين على شراء احتياجاتهم من جيوبهم ؛ اذ يتم استقطاع مئة الف دينار من راتب المقاتل الحشدي شهريا بذريعة الاطعام , الا ان الطعام المقدم للمقاتل الحشدي رديء للغاية ولا يتجاوز ثمنه ال 20 الف دينار شهريا ؛ فالمقاتل الحشدي يلتحق بالدوام بحدود 15 او 20 يوم في الشهر , وفي هذه الاثناء تقدم له وجبة الغداء وهي عبارة عن ماعون صغير من ( تمن الحصة الرديء ) والذي يباع ب 250 دينار ( ربع ) فقط , ومرقة تتكون من العدس او ما شاكل ومن دون لحوم ؛ واما وجبة العشاء فهي معكرونة مع خبز فقط , وهكذا … ؛ وفي كل سنتين يعطى المقاتل الحشدي بدلة عسكرية واحدة او بدلتين فقط , والبدلة ليست بالمستوى المطلوب , اذ ان اغلب التجهيزات تندرج ضمن صفقات الفساد المشبوهة … الخ .
- الفساد في المشتريات والتجهيزات : اذ تُشتَرى معدات عسكرية وطبية رديئة وبأسعار مبالغ فيها، مع عمولات تُوزع على المسؤولين ؛ مما أدى إلى نقص خطير في إمدادات العناصر الميدانيين بالمستلزمات الطبية والعسكرية المطلوبة ، مما يعرض حياتهم للخطر؛ فضلا عن غياب التأمين الطبي للجرحى، ووفاة بعضهم بسبب نقص الإمكانيات أو الفساد في المشتريات الطبية كما مر انفا , والحرمان من الرعاية الصحية اللازمة ؛ والكثير منهم تعرض للعوق الدائم والامراض المزمنة والإصابات الخطيرة ولم يهتم بهم أحد , وتكفل ذوهم بعلاجهم والعناية بهم , ومن كان فقيرا منهم واغلبهم فقراء , عانى الامرين ؛ وقد كشفت تحقيقات صحفية عراقية عن وجود عقود مشبوهة لشركات وهمية مرتبطة بقيادات في الحشد. كما أشارت منظمات مثل “منظمة الشفافية الدولية” إلى تصنيف العراق بين الدول الأكثر فسادًا بسبب سوء إدارة الملف الأمني.
- الترقيات القائمة على الولاء: تُمنح الرتب العليا والمناصب القيادية بناءً على الانتماء الحزبي أو العائلي او غيرهما من ضروب المحسوبية ، لا على اساس الكفاءة او التضحية ، مما يُضعف الفاعلية الأمنية ويرهق العناصر المخلصين ؛ اذ صار من الطبيعي ان يأتمر اصحاب الشهادات العليا فضلا خريجي الجامعات والمعاهد في الحشد بأوامر مسؤوليهم الحاصلين على شهادة الابتدائية فقط او المتوسطة , حتى منح واجازات الدراسات العليا لا تعطى الا للأفراد المنتمين للحركات والفصائل المسلحة والاحزاب الاسلامية , وفي افضل الاحوال يقدمون على غيرهم من متطوعي الحشد البسطاء والمقاتلين المستقلين .
- التهميش الإداري والأمني: يسيطر على الحشد عناصر الحركات والفصائل المسلحة واعضاء الاحزاب الاسلامية ورجال الدين ؛ وهؤلاء ينطلقون من منطلقات حزبية وفئوية وايدلوجية مغلقة ؛ مما يدفعهم للتعامل مع المقاتلين الحشديين المستقلين والذين انخرطوا في الحشد من منطلقات وطنية ودينية وانسانية خالصة , بفوقية واستعلاء وتمييز ؛ وانطلاقا من المحسوبيات والولاءات والعلاقات يتم تعيين الافراد وتكليف الاشخاص بالمهام الحساسة والمسؤوليات المهمة ؛ ومن الطبيعي ونتيجة لتلك المقدمات الباطلة يتسلط شاب غر لإدارة الملفات الحساسة في الحشد , ويغبن الحشديين ويغمط حقوق المقاتلين , ويتلاعب بمستحقاتهم , ويهب من يشاء ويحرم من يشاء وبمزاجه ؛ اذ أصبح من حق هذا الفصيل أو ذاك، ومن صلاحية هذا القائد أو ذلك المسؤول، فصلُ المقاتل الحشدي وطردُه لأسباب تافهةٍ وغير قانونية، واستبدالُه بآخر بجرة قلم … ، وقد تم طُرد مئات العناصر الوطنية الغيورة والمقاتلين الأبطال الشرفاء، لِتُسلَبَ وظائفهم ومخصصاتهم وتُمنحَ لأقارب القادة أو عناصر أحزابهم والمتملقين لهم دون وجه حق! , فها هو من خاض غمار معارك التحرير وسطر ملاحم التضحية يُطرد ليُحلَّ محلَّه من لا خبرة له بمكافحة الإرهاب ولا دراية له بمواجهة العصابات المسلحة! , وصار الحشدي يطرد لمجرد اختلافه مع مسؤوله حول هذا الموضوع او ذاك او اعتراضه على بعض السلبيات والتجاوزات ؛ ويحرم هو وعائلته من حقوقه ويقطع رزقه … ؛ ولعل من اهم اسباب مماطلة بعض القيادات في الحشد وتسويفها فيما يخص قرارات تسكين وتوطين الرواتب واقرار القوانين التي تنصف عناصر الحشد ؛ تلك المظالم والمفاسد ؛ فالكثير من القيادات عارض فكرة استلام المقاتل الحشدي للراتب عن طريق ( الكي كارد ) وذلك لاستمرار سرقته للأموال باسم المقاتلين الفضائيين او الوهميين المسجلين في قوائم الحشد زورا وكذبا , وللتحكم بمصائر عناصر الحشد البسطاء والضغط عليهم واعطائهم الراتب عن طريق القيادات حصرا واستلامهم للرواتب من القيادات وهم صاغرون , ومع كل تلك الاجراءات استمرت السرقات والفساد , واستلموا رواتب لأسماء وهمية وعن طريق ( الكي كارد) ايضا , ولا زالوا يماطلون مع وزارة المالية فالمقاتل الحشدي لا يعامل معاملة الجندي في وزارة الدفاع او الشرطي في وزارة الداخلية ؛ فهؤلاء لهم اسماء وسجلات معروفة في دوائر الدولة ولهم الحق في كافة الحقوق القانونية للموظفين , اما مساكين الحشد وبسطاءه فهم مجرد ارقام واعداد في وزارة المالية , ترفع على شكل قوائم محددة بأعداد معينة ولكن بأسماء متغيرة , ومن مظاهر الجور الأخرى : تأجيل التسريح والدمج، فآلافٌ بل مئات الآلاف من الحشديين ما زالوا يُستَخدمون دون تسريحهم بعد انتهاء مهامهم القتالية وبلوغهم السن القانوني , نعم، أُدرجوا ضمن القوات المسلحة، لكنهم لم يُدمجوا في وزارتي الدفاع أو الداخلية رغم وعود الحكومة، والسبب فسادُ القيادات! , والمهزلة أن أحد القادة الكبار، الذي تجاوز سن التقاعد ويُمسك بكل مفاصل الحشد، يُصرُّ على البقاء في منصبه، مما أعاق إقرار قانون الحشد في البرلمان، لأنه يسعى لتمديد ولايته حتى سن السبعين! فهل يُعقل أن تُهمَّش دماءُ الشهداء وتُضحَّك على ذقون الأبطال ؛ بذرائع تافهة تنم عن نرجسية مرضية ونفعية شخصية ضيقة ؟! ؛ المنطقُ والإنصافُ يقتضيان تخفيض سن تقاعد المقاتل إلى 50 عاماً تقديراً لتضحياته واهاته وهمومه , فقد توسد الحجر ومكث في الحفر , والتحف السماء ونام في الصحراء , وفقد اصحابه واحبابه في جبهات القتال والنزال … ، لكن نرجسية وانانية المسؤول تدفعه لتقديم مصلحته على مصلحة مئات الآلاف من ابناء الحشد المجاهدين والمضحين في سبيل الوطن ! , فها هو يماطل في اقرار القوانين المتعلقة بالحشد تحت قبة البرلمان لحين السماح له بالبقاء في المنصب الى ما شاء الله .
- التحكم بالفروقات والقروض : كل ابناء الحشد الشعبي العراقي يطلبون وزارة المالية فروقات مالية ؛ فهنالك فروقات في شهري 11 و12 من سنة 2015 وهنالك فروقت عام 2017 وعام 2019 وعام 2023 ؛ والى هذه اللحظة لم تعطى من تلك المستحقات سوى فروقات عام 2015 فقط ولنسبة ضئيلة من عناصر الحشد لا تتجاوز ال 10 % واغلبهم من العناصر المقربة ومن ذوي المحسوبيات والعلاقات والمقربين من القيادات ؛ والغريب في الامر ان هذه النسبة الضئيلة استلمت فروقات مرة اخرى وقبل ايام معدودات ؛ بينما يُرهَق الباقون بروتينٍ عقيم ؛ اذ يطلبون منهم جلب كتاب تأييد استمرارية الخدمة من وحداتهم ومقراتهم ؛ وعندما يأتي الحشد بكتاب التأييد لا يحصل على شيء ؛ مجرد روتين …!!
- الاستغلال السياسي وتعريض الحشدي للمخاطر الامنية :استغلال ظروف ابناء الاغلبية المعاشية واغرائهم بالانتساب الى الحشد , ثم تجنيدهم من دون ضوابط قانونية والزج بهم في اتون المعارك ونيران الحروب والمواجهات حتى الخارجية منها , وعندما يقتل المجاهد او يستشهد الحشدي تحرم عوائلهم من التعويضات والاستحقاقات القانونية اسوة بالقوات المسلحة العراقية ؛ اذ لا تحصل عائلة الشهيد على حقوقه لأنه استشهد مع هذا الفصيل او تلك الحركة … ؛ و إجبار ابناء الحشد على المشاركة في الانشطة الحزبية والتظاهرات السياسية لهذا الفصيل او ذاك , واجبار الحشديين المستقليين على الانضمام لكتل الحشد التابعة للأحزاب عبر التهديد أو الإغراء المادي الوهمي … ؛ مما يعرض الحشدي الى مخاطر تهديد الجهات السياسية الاخرى المعادية لهذا الفصيل او تلك الحركة , بل واستخدامهم في الصراعات الداخلية , او توظيف بعضهم في قمع الاحتجاجات أو حماية مصالح أحزاب بعيداً عن المهام الأمنية الرسمية… ؛ وطالما ارسل المقاتل الحشدي الى الجبهات بأسلحة فاسدة او رديئة او بسيطة او من تدريب كافٍ ؛ مما زاد من عدد الضحايا والشهداء , فضلا عن انعدام الحماية القانونية لهم , بل حتى الحماية الاجتماعية فالكثير من ابناء الحشد اصبحوا اهداف مشروعة لبعض الفئات الطائفية والجهات السياسية والحركات المرتبطة بالاجندات الخارجية والداخلية ؛ مما جعلهم عرضة للانتقام في اي وقت وبشتى الذرائع والاعذار من قبل الجهات المذكورة انفا .
- المماطلة في تسكين الرواتب وقانون التقاعد : بما ان الاغلبية من القيادات والمسؤولين من دون شهادات اكاديمية ؛ تراهم يماطلون لان القوانين لا تصب في صالحهم ؛ لذلك طالب البعض منهم بإلغاء فقرة الشهادة , واحتساب القدم الجهادي ؛ علما ان كل الحشديين هبوا للدفاع عن العراق بنفس السنين , ولا يوجد فرق بينهم في هذه النقطة , بالإضافة الى ان التسكين يمكن الحشدي من الخروج من سطوتهم , والامن من تهديد القيادات له بالفصل والطرد , مما يجعل القيادات في موقع ضعيف , فهذه القوانين تقرب الحشدي من الحكومة وتبعده عن القيادات , وهذا مما لا تقبل به بعض القيادات والاحزاب والفصائل والحركات ؛ لاسيما تلك التي تعمل خارج الضوابط القانونية للدولة العراقية او المرتبطة بالجهات الخارجية .
الاثار والتداعيات والانعكاسات الأمنية والاجتماعية المترتبة على تلك المظالم :
– انهيار المعنويات : اذ يشعر العديد من العناصر بالخذلان والاحباط ؛ فبعدما ان قدموا التضحيات الجسيمة ، وضحوا بالغالي والنفيس , تتم معاملتهم بهذا الشكل , وتغمط حقوقهم , و تُهدر أموالهم في مشاريع فاسدة ؛ وها هي مشاعر الغضب تعتمل في صدور ابناء الحشد وترتفع وتيرة استيائهم بمرور الايام ؛ والكبت يولد الانفجار عاجلا ام اجلا .
– تأثيرات على الأمن : يؤدي تفشي الفساد في مفاصل الحشد إلى إعاقة عمليات مكافحة الإرهاب والتصدي للأعداء ؛ حيث تُستغل الثغرات لتهريب الأسلحة والمخدرات والممنوعات أو تمويل جماعات موالية خارج القانون .
– تآكل الشرعية الشعبية : ان استمرار فساد القيادات وانحراف بعض المسؤولين والافراد واحتماء الجهات والشخصيات الفاسدة والمشبوهة والمرتبطة بالاجندات الخارجية ؛ بمظلة الحشد الشعبي العراقي ؛ يؤدي الى فقدان الثقة بالحشد الشعبي كرمز وطني، اذ يتحول بنظر الناس والبسطاء الى أداة لتعزيز النفوذ الحزبي والابتزاز والتبعية .
– نفور الشباب من الحشد : ان استمرار المظالم والمفاسد , واختلاف سلوك القيادات والمسؤولين عن العقائد والشعارات المرفوعة , والتعامل مع ابناء الحشد بفوقية وطبقية ؛ يؤدي الى نفور الشباب وابناء الحشد الاحرار من الحشد ومن الجهات والحركات والاحزاب التي تتدعي الانتماء اليه .
مَن المسؤول عن انتهاك حقوقهم وغبنهم وتشويه سمعتهم ومحاربتهم ؟
- قوات الاحتلال والمخابرات الدولية والحركات والاحزاب الطائفية والتكفيرية , واحزاب الضد النوعي من داخل البيئة الشيعية , فهؤلاء عملوا جاهدين على تشويه سمعة الحشد , وتعطيل القوانين التي تصب بصالح ابناءه , فضلا عن استهداف الحشد بمناسبة ومن دونها .
- بعض قيادات الأحزاب المُسيطرة على الحشد : اذ تُدار معظم فصائل الحشد من قبل أحزاب سياسية وعائلات دينية وعشائرية ، تستغل المقاتلين كـ”أدوات” لتعزيز نفوذها وتمويل مليشياتها وفصائلها الموازية.
- . الحكومة العراقية وهياكل الدولة الضعيفة : فقد فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في إقرار قانون عادل للحشد يضمن حقوق عناصره، بسبب الخوف من مواجهة الأحزاب المتنفذة وضغوط القوى الخارجية والاقليمية ؛ وبسبب غياب الرقابة على الميزانيات السرية المُخصصة للحشد، والتي تُدار بعيداً عن مسائلة ديوان الرقابة المالية.
- بعض الفصائل المسلحة خارج سيطرة الدولة : اذ ترفض بعض الفصائل التابعة للحشد الخضوع لسلطة الحكومة ، وتُجبر عناصرها على الولاء المطلق للقيادة الحزبية حتى لو كانت خارجية بدلاً من الوطن ؛ وتغلق تلك التبعية بالشعارات الدينية والقومية وغيرهما من الذرائع ؛ اذ تخشى تلك الفصائل من فقدان السيطرة على عناصر الحشد إذا تحولوا إلى مؤسسة وطنية خاضعة للقانون وتأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة الوطنية .
- . المحاصصة الطائفية والفساد الهيكلي: فقد تحوّل الحشد كبقية دوائر ومؤسسات الدولة إلى “كعكة” تُقسم بين الكتل السياسية بناءً على المحاصصة، مما أفرغ مؤسسته من المهنية وحوَّلها إلى ساحة للصراع على النفوذ والمال.
- الفساد كسياسة مُمنهجة: اذ تدرك النخب السياسية الحاكمة أن فضح استغلال الحشد سيفتح الباب لمحاسبة كبرى تطال أرصدتها المالية وامتيازاتها، فتُفضل إبقاء الملف غائماً ؛ و تُبرر الأحزاب السياسية والنخب والشخصيات الحكومية تأجيل إصلاح الحشد بحجة “الوضع الأمني الهش”، بينما تُوظف عناصر الحشد في حماية مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية الضيقة .
- . غياب الإرادة الشعبية والنخبوية الفاعلة : رغم التضامن الشعبي مع تضحيات الحشد، فإن غياب تنظيمات مدنية ضاغطة ,واحجام النخب الثقافية والفكرية والاعلامية والسياسية عن المطالبة بحقوق الحشد ؛ يسمح باستمرار انتهاك حقوق ابناء الحشد وشهداءه .
الحلول المطروحة:
- الإصلاح الهيكلي : فصل إدارة الحشد عن الهيمنة الحزبية، وربط تمويله بآليات محاسبة حكومية مستقلة؛ ومعاملة ابناء الحشد اسوة بأخوتهم من منتسبي وزارة الدفاع والداخلية , واعادة هيكلية الحشد بما ينسجم مع المعايير المهنية والمتبعة في دوائر الدولة ودول العالم .
- تفعيل القضاء: دعم هيئات النزاهة العراقية لمتابعة البلاغات ضد الفاسدين، بعيدًا عن الضغوط السياسية , وتطهير الحشد من العناصر الفاسدة والمشبوهة والمرتبطة بالجهات الخارجية والتي تعمل خارج اطار الحكومة والشرعية , ثم تفعيل قوانين حماية ابناء الحشد وصون حقوقهم فضلا عن وجودهم , واعطاءهم حصانة لا تقل عن حصانة الجندي الذي يدافع عن الوطن في وزارة الدفاع ؛ لكي نقطع الطريق في قادم الايام على الجهات الحاقدة الطائفية والانفصالية والتخريبية والشخصيات والحركات السياسية المشبوهة والتي تتربص بالحشد الدوائر .
- دور المجتمع المدني والنخب والشخصيات الوطنية : من خلال تعزيز حملات التوعية لحماية ابناء الحشد من الاستغلال، ودعم الإعلام المستقل لكشف الانتهاكات والتجاوزات بحقهم , ومحاسبة القيادات الفاسدة والمسؤولين المقصرين , والمطالبة باحترام حقوق ابناء الحشد , وتحقيق مطالبهم العادلة .
- الضغط الدولي : ممارسة الجهود الديبلوماسية والمساعي الخارجية والضغط على الدول والحكومات بالاعتراف بالحشد الشعبي العراقي كقوة مسلحة وطنية تعمل ضمن اطار الحكومة والدولة العراقية , ومنع الاخرين من الاساءة اليها , و ربط الدعم المالي واللوجستي للعراق بضمانات لمحاربة الفساد في المؤسسات الأمنية بما فيها الحشد .
الخاتمة: الدماء لا تُسرق مرتين!
لا يُمكن فصل انتهاكات الحشد عن أزمة الفساد التي تعصف بالعراق ؛ فالمُقاتل الحشدي الذي دافع عن الأرض , بات ضحية نظامٍ يسرق دماء الأبطال ليملأ جيوب الفاسدين ؛ فبينما قدَّم آلاف العناصر أرواحهم دفاعاً عن الوطن، تحولت مؤسسة الحشد إلى ساحة لانتهاك حقوق مُقاتليها، وسط صمت رسمي وتواطؤ سياسي … ؛ و إن إنصاف ابناء الحشدي الشعبي العراقي الغيارى يتطلب إرادة سياسية حقيقية ، وفضحاً إعلامياً جريئاً، ودعماً دولياً مشروطاً بالإصلاح ، وإلا سيبقى الحشد الشعبي أداةً في يد من سرقوا ثروات العراقيين مرتين : مرةً بالسلاح، ومرةً بالمال.
ان قضية استغلال عناصر الحشد ليست مجرد انتهاك مالي، بل خيانة لتضحيات شهداء دافعوا عن الوطن ؛و إن معالجة هذا الملف سيحدد مصير العراق كدولة قادرة على حماية مواطنيها من مخاطر الفساد الداخلي قبل الأعداء الخارجيين ؛ فالمنطقة الان على صفيح من نار والتهديدات الخارجية لا زالت قائمة ؛ وهذا الامر يتطلب منا جميعا الاهتمام بالحشد الشعبي العراقي لأنه رأس الحربة والسيف البتار ؛ وعليه لابد للحكومة من اعادة بناء مؤسسة الحشد على اساس التضحية والاخلاص والانتماء للوطن والايمان بالعملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ وليس على اساس الدعوات المناطقية او المحاصصة الطائفية او الاجندات والاملاءات الخارجية .
سؤال للكاتب المحترم..
تحية طيبة..
لماذا البشمركة (قوات حرس اقليم كوردستان العراق).. لا يتعرض للتهديد من القوات الامريكية.. في حين (مليشة الحشد والمقاومة).. ا لايرانيي الولاء عراقيي التمويل.. تقول انهم يتعرضون للتهديد من قبل القوات الامريكية التي اسقطت الطاغية صدام وانقذت شيعة العراق ليس فقط من حكم الاقلية السنية وحكم البعث والدكتاتور صدام.. بل من موروث 1400 سنة من حكم السنة على رقاب شيعة العراق؟
ثانيا:
كيف تفسر ان توضع صور زعماء اجانب على بوابات معسكرات مليشة الحشد.. وداخل قاعاتها وغرفها.. بالعراق.. بكل استفزاز للوطنيين العراقيين..
ثالثا:
كيف تفسر ثراء قيادات مليشة الحشد والمقاومة الذين يتمتعون اليوم بارتال السيارات الحديثة من التاهوات والجكسارات واليوغنات .. والفانشستات والمزارع والارصدة المليارية والقصور والعقارات.. من عقود الفساد وسرقة اموال الدولة؟
رابعا:
لو مليشة الحشد والمقاومة قادتهم.. ليسوا اتباع لايران ولا يجرون لصراعات ايرانية الاقليمية والدولية على الساحة العراقية واراضي جمهورية العراق.. هل سيكون مكروها شعبيا وهل ستعاديهم امريكا؟
خامسا:
كيف تفسر بان قادة مليشة الحشد بهيكليته القيادية كابو فدك والعامري والهالك ابو مهدي المهندس.. الخ هم من قاتلوا الجيش ا لعراقي لسنوات لصالح دولة اجنبية ايران بالثمانينات.. واعلنوا بيعتهم لحاكم اجنبي خميني.. اي انهم لم يعارضون الطاغية صدام لانه دكتاتور.. بل لانهم يعتبرون الحاكم الاجنبي خميني ثم خامنئي هم الحكام الشرعيين للعراق.. ولو حكم العراق بدل صدام ملاك من السماء سيحاربه ذيول ايران ولاءه لجار ا لشر ايران..
سادسا:
هل وجدت البشمركة ترمي صواريخ على دول الجوار لمصالح ايران القومية العليا.. هل وجد البشمركة تتدخل وتزج كوردستان العراق والعراقيين بمستنقعات سوريا وغزة ولبنان واليمن.. ؟ فلماذا ايران جيرت مليشة الحشد والمقاومة.. باستهداف دول الجوار وبمستنقعات سوريا ولبنان وغزة واليمن.. لتامين حدود ايران الداخلية..
سابعا:
كيف ترى الفساد المهول بالحشد كالمقاتلين الفضائيين.. وعقود الدول المسروقة من قبل قادة الحشد وشركتهم شركة المهندس التابعة فعليا للحرس الثوري الايراني باستحلاب اموال ا لعراق..
ما سبق بعض من فيض
تحياتي
بعد التحية والسلام
يسعدني تفاعلك… نعم قد ذكرت كل السلبيات التي أشرت إليها الا ان الامريكان ليسوا ملائكة وهذا لا يعني انني ادعو إلى قتالهم في الوقت الراهن وبهذه الامكانيات المتواضعة بل ادعو إلى الحكمة والسياسة البراغماتية ودرء الخطر بشتى السبل… نعم للأمريكان فضل كبير على الأغلبية العراقية الاصيلة باسقاط نظام البعث وان جاء بقطار أمريكي الا ان الامريكان لشيعة العراق افضل الف مرة من الإنكليز الخبثاء الذين لا زالوا يراهنون على حكم الفئة الهجينة من بقايا العثمنة والاقلية السنية