1

ايهاب مقبل

عندما أصبح أدولف هتلر مستشارًا في العام 1933، بدأ الحزب النازي باستبدال الموظفين الحكوميين بأعضاء حزبه. وكان هذا جزءًا من جهوده لضمان الولاء للأيديولوجية النازية.

وبحلول العام 1939، كان يقدر وجود مئات الآلاف من المسؤولين الحكوميين يشغلون مناصب تتوافق مع السياسات النازية، يشمل ذلك الجيش والشرطة والمنظمات الأمنية الأخرى.

بعد استسلام ألمانيا في مايو أيار 1945، حُل الجيش الألماني بجميع قطاعاته البرية والبحرية والجوية. وجرى محاسبة العديد من الضباط رفيعي المستوى في القوات المسلحة “الفيرماخت” على أدوارهم أثناء الحرب، وتمت محاكمتهم في محاكم جرائم الحرب.

كان يهدف البرنامج لألمانيا الجديدة إزالة المسؤولين النازيين السابقين والمتعاطفين معهم من مناصب النفوذ في المجتمع الألماني. وشملت هذه العملية التحقيق في الأنشطة السابقة للأفراد الذين ارتبطوا بالنظام النازي.

اعتمادًا على مستوى مشاركتهم مع الحزب النازي ومدى خطورة أفعالهم، كانت النتائج التي حصلوا عليها مختلفة. تمت مقاضاة بعضهم وواجهوا عواقب قانونية، في حين تمت تبرئة آخرين والسماح لهم بالعودة إلى وظائفهم أو العثور على عمل جديد ضمن برنامج إعادة الإندماج في المجتمع.

كانت نظرة الشعب الألماني للموظفين النازيين السابقين متباينة. في بعض الحالات، كانت هناك رغبة قوية في تحقيق العدالة والمساءلة، بينما في حالات أخرى، تمكن بعض الأفراد من العثور على عمل مرة أخرى بسبب ضرورات جهود إعادة البناء بعد الحرب.

كان على العديد من الموظفين السابقين للنظام النازي التكيف مع المناخ السياسي والاجتماعي الجديد، وهو ما يعني في بعض الأحيان إخفاء ماضيهم أو البحث عن وظائف في الصناعات التي كان الطلب عليها مرتفعًا على العمالة مع إعادة بناء ألمانيا.

تعكس تعقيدات هذه القضية موضوعًا أوسع يتعلق بالمصالحة والعدالة وتحديات التعافي بعد الحرب في ألمانيا وغيرها من البلدان المتضررة من الحرب.

عندما احتلت القوات الأمريكية العراق في العام 2003، حل الحاكم الإداري للعراق بول بريمر القوات المسلحة العراقية، ورمى معظمهم في الشارع. كما أعلنَ تحت مسمى “اجتثاث حزب البعث” أن جميع العاملين في القطاع العام المنتسبين لحزب البعث سيحذفون من مواقعهم ويحظر عليهم أي عمل مستقبلي في القطاع العام.

أدت هذه العملية، والتي هي على عكس ما اعتبرته سلطة الائتلاف المؤقتة أن العراق يعادل إزاحة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إلى رمي الموظفين وضباط الجيش في الشارع. وكانت عواقب هذه العملية إندلاع الحرب الأهلية العراقية الأولى 2006 – 2008 والحرب الأهلية العراقية الثانية 2013 – 2017.  

وبالمثل، يريد الرئيس السوري أحمد الشرع إعادة نفس الخطأ الذي ارتكبه الأمريكيين في العراق، وذلك لان رمي القوات المسلحة السورية في الشارعِ ليس حلًا بل الأساس لنشوب النزاعات في سوريا مستقبلا.

وأحداث الساحل السوري الأخيرة، والتي راح ضحيتها نحو 779 في خمسة أيام، هي مقدمة لنشوب حروب أهلية في البلاد ما لم يحل الشرع قضية الموظفين السابقين في حقبة البعث بطريقة عقلانية عبر الموازنة بين جهود المصالحة والعدالة كالتجربة الألمانية، ولاسيما إن الكيان الصهيوني يخشى بالدرجة الأساسية من تشكيل حكومة سورية جديدة خالية من النزاعات، ويريدها ضعيفة ولا مركزية ليخلق فراغ في السلطة تملئه القوى المعادية لسوريا ليلعب كما يحلو له في جنوب البلاد.

انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *