نوفمبر 22, 2024
ههههههههههههههههههه

اسم الكاتب : سليم مطر

“من الممكن ان نجد مدنا بلا اسوار وبلا ملوك وبلا ثروة وبلا اداب وبلا مسارح ولكن لم نجد قط مدينة بلا معبد، يمارس فيه الانسان العبادة”
 المؤرخ الإغريقي ، بلوتارك


كل التجمعات البشرية (اقوام وامم وامبراطوريات) عبر كل تاريخ البشرية لا تقوم ولا تدوم الا بالاعتماد على مقدسات معينة. الحضارات القديمة كلها قامت على اساس الأيمان الديني والرموز الالهية الخاصة بها.
الاوطان مثل البيوت، تتكون من: ارضية وسقف وبشر يقطنون. كذلك الوطن يتكون من: ارض وسماء وبشر.
لهذا فان جميع الرموز الدينية مهما اختلفت مسمياتها والوانها، فانها تعبر عن هذا الثلاثي: الارض والسماء والانسان.
حضارتنا العراقية النهرينية (كذلك حضارة بلدان الشام) ، عبرت عن هذا الثلاثي بالرموز التالية:
ـ ايلو (العالي) ، وسمي ايضا (شمش ومردوخ) وهو (الله) رب السماء والسيد الاب مالك القوة المطلقة.
ـ عشتار ، رمز الارض والامومة المانحة للحياة.. رمز الوطن بمعناه المادي الحي المعاش.
ـ تموز ، رمز الانسان ، ابن رب السماء (ايلو) وربة الارض (عشتار). انه يولد كل عام في اول الربيع ، يخرج من اعماق ارض امه عشتار ليجلب الخصب والحياة. لكنه يموت مع قدوم الصيف (شهر تموز) موسم القحط والجفاف في بلادنا. ويبقى (تسعة اشهر!!) من كل عام غائبا في اعماق الارض، ليولد من جديد اول الربيع..
ومع تطور العقل الديني من التصوير الطبيعي المباشر ، الى التشبيه التجريدي ، انتقل هذا التثليث الى المسيحية: الاب (الله) ، والابن (المسيح عيسى ، المنقذ الذي يخرج من قبره ايضا مثل تموز في اول الربيع ـ الفصح ) ، والروح القدس (ومريم العذراء وطاقة الامومة والحياة)..
اما في الاسلام ، فهنالك ايضا: الله رب السماء ، والنبي محمد (حبيب الله) مع القرآن الكريم (كلام الله الموحى من قِـبَـل الروح القدس) ، اما الارض والوطن فهي الحياة الدنيا بكل محاسنها ومتاعبها.
الحضارة الغربية الحديثة هي الوحيدة التي حاولت ان تخرج من هذا المقدسات الدينية المتداولة ، لتحل محلها: بدل الله ، حل (العلم والتكنلوجيا) ; وبدل الارض ، حل (الانتاج المادي) ; وبدل الانسان ، حل (المنتج العامل والمالك الرأسمالي)..

ولهذا فان االاسواق والبنوك هي معابد هذه الحضارة ، ورأس المال اصبح االرب الحاكم.

المقدسات العراقية

اما في بلادنا فان النخب العراقية الحداثية ، كالعادة حاولت ان تقلد الغرب. فجهدت ان تلغي المقدسات الدينية ، لتحل محلها (مقدس الشيوعية) من قبل الماركسيين ، ثم (مقدس الامة العربية والامة الكردية) من قبل القوميين..
ولكن بعد ان خاب امل الناس بهذين المقدسين ، لم يبق غير العودة الكاسحة الى المقدس الديني. لكن سرعان ما حلت الصدمة بهذا المقدس الديني بسبب فساد وتعصب وارهاب الاحزاب الدينية.
نعم هنا يكمن سر الخواء العظيم وحالة الانكسار الروحي التي يعيشها الانسان العراقي: فقدانه للمقدس الأصلي!
لهذا فاننا في مشروع (احياء هوية الامة العراقية) نريد احياء المقدسات العراقية والانسانية التاريخية الاصيلة:
الله والوطن والانسان.. ايلو وعشتار وتموز..


ـ الله : هو رمز مقدس من قبل جميع الاديان والمذاهب العراقية. انه الرمز الجامع الاعظم المتخطي لكل الخلافات والتعصبات والتحزبات الدينية والطائفية. حتى الملحدين ، إن شاءوا ومع قليل من سعة الافق، ان يعتبروا اسم الله رمزا للكون الغير محدود ولقوى الخير والمحبة والحياة..
ـ الوطن: فهو وطن الجميع ، ارضنا وامنا الحنون التي تولدنا وتحمينا وتمنحنا الديمومة والحياة..
ـ الانسان: فانه بمعنيين متكاملين: الانسان الفرد، بكينونته المستقلة التي تستحق الاعتراف والتمايز. وكذلك (الانسان) بمعنى(الانسانية) جمعاء. فمن دون البعد الانساني للهوية العراقية فاننا نعود الى عقلية الاحقاد والمؤامرات. بتقديسنا للانسان الفرد والانسانية جمعاء، نضمن ثقافة السلام والتسامح والمحبة، في داخل امتنا ومع امم العالم..
نعم ، نحن نؤمن بــ: الله والوطن والانسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *