اسم الكاتب : سليم مطر
ان اردت ان تسيطر على شعب وتقسمه، عليك ان تكتب تاريخه وتجعل من ماضيه منقسما متصارعا. نعم ان سلاح التاريخ من اخطر الاسلحة وقدرة على التأثير على حاضر الشعوب ومستقبلها. هاهي اسرائيل اوضح نموذج للاستخدام السياسي للتاريخ، فهي قد بررت قيامها وديمومتها وعزتها فقط على اساس (نص توراتي تاريخي) يقول بانها(الارض الموعودة)! وتعتبر النازية الالمانية نموذج صارخ للفهم القومي العنصري للتاريخ وللاوطان. نحن في العراق عانينا كثيرا من الفهم البعثي العروبي للتاريخ الذي برر تقسيم العراقيين الى قوميات متناحرة وخلق عقدة لدى كل عراقي بانه لا يمكن ان يكون عراقيا حقيقيا ان لم يثبت نقاء دمه العربي واصل عشيرته الى الجزيرة العربية والسيدين المحترمين قحطان وعدنان!! وجعل العراقي ينتمي لتاريخ هذه الجزيرة وحضارتها، ويتنكر تماما لتاريخ وطنه .
قوميات عربية مختلفة، وقوميات كردية مختلفة! هاهم البعثيون الاكراد ومنذ عدة سنوات يشنون حملة شعواء من اجل اصطناع تاريخ قومي عنصري يعتمد على عمليات سطو مضحكة على تواريخ شعوب الشرق الاوسط. بحيث اصبح هذا التاريخ يضم حضارات السومريين العراقيين والميديين والساسانيين الايرانيين والحيثيين الاتراك. وصار من الطبيعي اعتبار(كلكامش) كردي!! تماما كما اعتبر البعثيون العرب الحضارة النهرينية العراقية(عربية جزيرية)!!لهذا نحن نقول بانه ليس هنالك تاريخ قومي مشترك لجميع الناطقين بلغة واحدة.
فان العرب ليسو قومية واحدة بتاريخ واحد، بل هم (قوميات عربية) حسب اوطانهاالمختلفة ، ولها تواريخ وطنية مختلفة. (القومية العربية العراقية) لها تاريخهاالعراقي الخاص بها المختلف تماما تواريخ القوميات العربية في مختلف البلدانالعربية.كذلك القوميات الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى وايران والعراق وتركيا، هيقوميات مختلفة حسب اوطانها ولها تواريخها الوطنية المختلفة.
وهذا الامر ينطبق ايضا على الاكراد. فهنالك قوميات كردية مختلفة، عراقيةوسورية وايرانية وتركية وارمنية وافغانية، وكل واحدة منها لها تاريخها المختلفحسب وطنها.ليس من المعقول ابدا ان يجبر الكردي العراقي على الانتماء لتاريخ اكراد ايرانواعتبار الميديين هم اصل الاكراد!! بينما من المعقول جدا جدا ان ينتمي الكرديالعراقي لتاريخ عاصمة كردستان العراق(اربيل) التي يبدأ تاريخها مثل كل المناطقالعراقية: السومريون، ثم الآشوريين، ثم الاراميون المسيحيون، ثم التركمان، ثمأخيرا منذ اكثر من قرن تحولها الى غالبية كردية!ان الجبال الكردية المطلة على وادي النهرين، كانت طيلة التاريخ وحتى ألانتبعث بهجرات الاكراد الى سهول النهرين لكي تتمزج وتساهم بتكوين المجتمعالعراقي. لهذا فان تاريخ اكراد العراق هو تاريخ المجتمع العراقي الذي يعتبرالاكراد مصدرا اساسي بتكوينه البدني والعقلي.من حق الكردي العراقي ان ينتمي ويفتخر بميراثه الحضاري العراقي باعتبار اناسلافه ساهموا مباشرة بصنعه دون تسميتهم كأكراد بل هم جزء من تكوينالمجتمع العراقي.نعم يا اخوتنا، ان جميع امم الارض لم تستقر اوضاعها السياسية الا بتوفر شرطاساسي جدا جدا:الاتفاق على هوية وطنية مشتركة وجامعة.
وان الاساس الاول والاكبر للاتفاق على هوية وطنية هو:الاتفاق على تاريخ وطني مشترك.نعم ثم نعم ثم نعم: من دون الاتفاق على الماضي يستحيل الاتفاق على الحاضروالمستقبل .وان مشكلة امتنا العراقية، ان كل طائفة وقومية صنعت لها تاريخها الطائفيوالقومي الخاص بها والمناقض لتاريخ الجماعات الاخرى!لهذا فأن مهمتنا الثقافية الكبرى تتمثل بفضح وادانة كل التواريخ التقسيمية لأمتناوالعمل على احياء تاريخنا الوطني المشترك.