نوفمبر 22, 2024
علي-المؤمن

اسم الكاتب : ربيع عامر الطربوش

يتصدى المفكر العراقي الكبير الدكتور علي المؤمن، الى قضية مهمة شكّلت وما زالت تشكّل هاجساً تاريخياً واجتماعياً، بل هي هاجس وجود قبل أي شيء آخر، وأقصد به هاجس الهوية الشيعية العراقية وملامحها وحدودها وإيقاع تفاعلها مع الهويات الأخرى.
ولعل الدكتور المؤمن ليس أول كاتب أو مفكر يسعى إلی رصد التشيع كظاهرة اجتماعية أو مكون اجتماعي له خصوصيته وتطلعاته ومشاكله؛ ولكنه – وكما أرى -هو أول مفكر يتخذ من تلك القضية مشروعاً كاملاً يسعى من خلاله الى طرح ستراتيجيات ترسم إطاراً خاصاً للمكون العراقي الأكبر، الذي عانى ومازال يعاني من غياب الهوية الاجتماعية المميزة أو تغييبها، بعد أن مورست عليه عملية امتصاص ثقافية اشتركت فيها أطراف داخلية وخارجية، وفضلاً عن ذلك نجد المفكر المؤمن ينظِّر لعلم الاجتماع الديني الشيعي من وجهة نظر إسلامية، وهذه الخصيصة التي تميز رؤيته عن غيره من السابقين، فالمؤمن مشغول بكيانية الأمة ونسيجها الاجتماعي وما تمتاز به الكتلة البشرية الشيعية بعيداً عن الجانب العقدي أو الديني، أي أنه يهتم بالمكون بكله الديني واللاديني، فمهته رصد الخصائص الاجتماعية التي تميزه عن غيره.
لقد تطرق المفكر المؤمن في محاضرة قريبة له الى مشكلات المجتمع الشيعي العراقي، مسلطاً الضوء على ما يعانيه ذلك المكون من تخبط ورؤية ضبابية بسبب اضطراب الساحة السياسية من جهة، وبسبب تجربته الفتية في المشاركة في السلطة التي حُرم منها منذ تأسيس الدولة العراقية إلی الآن من جهة أخری، ناهيك عن التحديات التي يواجها المجتمع عموماً، فبعد أفول الحرب الميدانية التي استنزفت بنية الشيعة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية؛ تحولت التحديات إلی الحرب الناعمة والغزو الثقافي. وفي كل الأحوال بات اللهاث حول السلطة والسعي علی الاستحواذ عليها، وإقصاء المكون الأكبر وتهميش دوره السياسي؛ بات يلعب دوراً كبيراً في توفير الظرف السانح لتحقيق أهداف هذه الحرب والسيطرة علی أجيال الشباب، عن طريق الإمساك بقنوات التواصل مع الجمهور كالجامعات والمؤسسات الثقافية والإعلامية. وقد دعا المؤمن إلی مواجهة محاولات تمييع الهوية بكل قوة، وأن هذه المهمة تقع علی عاتق الجميع عموما،وتقع علی عاتق النخب والأكاديمين خصوصا.
إن التفكير بكلية قضايا الأمة وكيانية الأمة ودراسة نسيجها الاجتماعي، وتشخيص خصائصه وتبيين مشكلاته، جعل الدكتور المؤمن في خانة المفكرين البارزين الفاعلين في تثبيت الهوية الشيعية التي عانت من المحاربة والمطاردة كما أسلفنا، وهذا ما جعل المؤمن أيضا رائد الاجتماع الديني الشيعي ومفكره الأول، الذي سخر كل طاقاته المعرفية والبحثية، وسعی بكل أكاديميته لتثبيت الهوية الشيعية الإسلامية العراقية.
إذن؛ فأفكار الدكتور المؤمن وأطروحاته تملأ فجوة هائلة وفراغا مهولاً في الفكر الشيعي والثقافة الشيعية؛ لذا أدعو مؤسساتنا الثقافية والأكاديمية والحوزوية أن تولي آراءه ومؤلفاته اهتماماً خاصاً، وأن تتبناها نشراً ودعماً، حتى تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع الشيعي العراقي، فالحفاظ على هوية هذا المكون لايكون إلّا من خلال التماسك الفكري والوعي الثقافي، ومن ثم تحصينه ضد محاولات العودة إلی مراحل التهميش والاقصاء والحرمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *