نوفمبر 14, 2024
376396934_271912508971886_5785088120923810618_n

اسم الكاتب : رياض سعد

ان ظاهرة غياب الهوية العراقية الحقيقية , وضياع البوصلة الوطنية الاصيلة  ؛ ليست وليدة اليوم , بل هي قديمة قدم التاريخ , اذ ان اغلب الذين حكموا بلاد الرافدين ليسوا من اهلها او كانوا يفضلون السلطة على الامة , ويقدمون المال والنفوذ على مصلحة العراقيين والعراق … ؛  نعم  كان هنالك حكام  وشخصيات عراقية عشقوا العراق وعرفوا قيمة بلاد الرافدين الا انهم قلة قليلة  , ولم تسعفهم الظروف للنهوض بهذا البلد العظيم , وحاولوا غرس حب الوطن في نفوس العراقيين الا ان قوى الخط المنكوس كانت لهم بالمرصاد .

ومن الواضح ان قوة الامة تكمن بهويتها الحقيقية واصالتها التاريخية  ؛ وايمان المواطنين بها , ومن ثم الذود عنها وحمايتها , وبخلاف ذلك فان الامة لا محالة خاسرة ومتقهقرة  ومدمرة ؛ اذ ان ضياع الامة بضياع هويتها وتاريخها وامجادها  وقدراتها وطاقاتها … ؛  وان تشويه مفهوم الامة العراقية , وتغييب العقل العراقي ,  والحس الوطني ,  وطمس معالم التاريخ الحضاري العراقي العظيم ؛ يتسبب بضياع حاضر العراقيين ومستقبلهم ايضا .

لذلك عمل الاعداء ولا زالوا ؛ على تغييب هوية العراقيين الاصلاء وتزييف تاريخهم العظيم , وارباك واقعهم , وتشتيت وحدتهم , وتضييع وتبديد خيراتهم وثرواتهم  , وطاقاتهم البشرية , وذلك من خلال القوى الخارجية المعادية وقوى الخط المنكوس الداخلية ؛ وقد استخدم هؤلاء الاعداء  الان وبالأمس القريب  ؛ مختلف وسائل الغزو الفكري والتوجيه الاعلامي والثقافي المنكوس , وسيطروا على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي  وكافة القنوات والفضائيات والاذاعات , ومراكز الانتاج الفني والثقافي والاعلامي  … الخ … ؛ ومن المعلوم ان عمل  هذه المواقع والمراكز والوسائل يتمحور حول نشر ثقافة الاستهلاك والجنس والمخدرات واللهو والضياع والتشرد واللعب , والهوس الرياضي ,  والادمان الالكتروني –(التعامل مع الأجهزة الذكية بطريقة غبية) –  بين الشباب العراقيين , بالإضافة  الى  زعزعة الثوابت الوطنية ، وخلخلة المبادئ السامية ، وتلويث الأفكار النيرة ، وغسل الأدمغة العراقية  … .

ان قضية عشق تراب بلاد الرافدين وتقديس ارض العراق ؛  هي قضية تاريخية محورية في الثقافة العراقية الاصيلة ،  ولعل الفارق الجوهري الذي من خلاله تميز المواطن العراقي الاصيل من الهجين والمهاجر الدخيل ؛ ان الاول يعشق العراق بكل تفاصيله , والثاني يكره العراق والاغلبية والامة العراقية الاصيلة … ؛ الاول يربط بين ماضي العراق وحاضره , والثاني لا يعرف سوى الحاضر ؛ لأنه منقطع الجذور واسلافه غرباء … ؛ والعلاقة بين عشق العراق وانبثاق الهوية الوطنية علاقة جوهرية وضرورية ؛ فمن دون محبة الامة العراقية وعشق العراق ؛ من الصعب انبثاق الهوية العراقية الاصيلة .

و لبناء أمة قوية ، يجب أولا أن تكون هناك  هوية وطنية واضحة المعالم ، بمعنى الإلمام بكل جوانب  الوطن والامة  وسبر اغوار تاريخها … ؛ وعندما يناقش الكتاب الاحرار مسالة هذا المكون او ذاك وبيان الاخطاء التاريخية التي ارتكبتها هذه الجماعة او تلك ؛ فهذا لا يعني انهم يركزون على ما يشتتنا، وتجاهلنا ما يجمعنا … ؛ بل لانهم يعرفون جيدا ان تبيان الحقائق التاريخية والاحداث الواقعية يخدم مشروع  بناء  الهوية الوطنية الحقيقية الجامعة ويساهم في مراجعة مكونات وجماعات الامة العراقية لحساباتها وتصحيح اخطاءها التاريخية والانية … . 

نعم قد يمتعض الكثير من العراقيين الاصلاء من واقع العراق  , وهذا الشعور رافقهم منذ القدم بسبب سيطرة الحكومات الاجنبية الغاشمة ومن ثم عملاء واذناب الاجنبي … ؛ ولا زال هذا الشعور الوطني مستعرا في صدورهم ؛ فالواقع الخدمي والصحي والتعليمي والتربوي والامني والاقتصادي والبيئي والاجتماعي والسياسي  أصبح لا يطاق ، اذ تساوت الايام وتشابهت السنين بنظر العراقي الاصيل ؛ فما من جديد جوهري يغير الاحوال , وقد عبر عن هذه الحالة شاعرهم الكبير المتنبي اذ انشد قائلا :

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ *** بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

ولكن هذا الواقع المأساوي المر الذي وجدناه ولم نختره ، و الذي نتج بسبب عدة مقدمات تاريخية وسياسية  طويلة و معقدة  ؛ الا اننا  يجب علينا رفضه اولا ثم محاولة تغييره ثانيا  , وهذا هو الفرق الجوهري الذي يؤكد وطنية العراقي الاصيل و غربة الهجين الدخيل الذي يركز على السلبيات فقط ولا يدعو الا للخراب والدمار والعنصرية والطائفية والتبعية والذيلية بحجة القومية العربية او الكردية او التركية او بذريعة الاسلام  او المذهب … الخ ؛ اذ ليس من الحكمة والوعي  أن نكرر نفس أخطاء الماضي القريب والبعيد ، فلنا في تاريخنا  العراقي أمجاد وبطولات ومثلها من النكبات والهزائم والانتكاسات  …  ؛  لذا يتحتم علينا أن نراجع أنفسنا على جميع الأصعدة والمستويات  ، ونمر من مرحلة التباكي وسط الفيافي  والنوح على الاطلال إلى مرحلة الاستيقاظ والاستعداد والبناء ، فلا يعقل أن تكون أمتنا  العراقية بالملايين  ولا نجد فيها قائدا عراقيا  اصيلا  يدعو لتوحيد صفوفنا , ولم شملنا , وردع عدونا , وصون بلادنا , وحماية ثرواتنا وخيراتنا , وتنمية وطننا … الخ .

لا شك في ان تحامل الاعداء واجحاف الخط المنكوس وحقدهم على التراث العراقي العظيم ؛ كان سببا في ضياع الكثير من الحقائق التاريخية , والذي تسبب فيما بعد بضياع الهوية الوطنية الاصلية , ولعل الدمار والخراب الذي طال بلاد الرافدين والاراضي الشاسعة التي سلخت  من العراق لصالح دول الجوار , بسبب ضياع الهوية الوطنية الحقيقية , والتمسك بالهويات السياسية  المزيفة والعقائد المنكوسة والتي كانت السبب الرئيسي في  تشتتنا , وضعفنا و فرقتنا … ؛ وانا على يقين تام ؛ بأن الاجيال العراقية سوف تنزع عنها رداء الهويات المزيفة والعقائد الظلامية والرؤى السوداوية والطوباوية , وتلبس رداء بلاد الرافدين الجميل , فلابد للعراقيين الاصلاء من ثورة ثقافية وفكرية كبرى , طال الزمان ام قصر  ؛ واذا ثار العراقي الاصيل ؛ فهو لن يتوقف وسوف يمضي قدما نحو التنمية والابداع والتطور والازدهار … .  

نعم نحن  العراقيون الاصلاء ؛ امة قوية لا تموت ابدا , فمهما تجرعنا من  الأحزان والمآسي وعلى مدار التاريخ ؛ بل ولا زلنا نتجرع من هذا الكأس مزيدا من التقتيل والتهجير والافقار والتشويش والتشويه والارباك والازمات المختلفة … الخ ؛ نبقى اقوياء صامدون مبدعون … ؛ وهذه الايام العصيبة التي تمر على امتنا العراقية في الواقع الحاضر بسبب التدخل الامريكي والبريطاني السافر في الشؤون العراقية وكذلك استغلال دول الجوار للعراق ؛ يجب ان لا تضعفنا عن العمل الجاد من اجل النهوض بالعراق وارسال رسائل التفاؤل الايجابي والمحبة الوطنية وقيم التكافل الاجتماعي والتلاحم الوطني , وايقاظ الشعور الوطني وبث روح الهوية العراقية الاصيلة الجامعة من جديد بين اوساط الامة العراقية .   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *