الكاتب : د. فاضل حسن شريف
—————————————
جاء في كتاب موازين الهداية ومراتبها المؤلف للدكتور نور الدين أبو لحية: طبقات المحبين والموالين: ثم قال الامام الصادق: وأما معنى الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم والاداء له، فاذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر، من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام ومعناه، واستوجب الولاية الظاهرة، وإجازة شهادته والمواريث، وصار له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين، فهذه صفة الإسلام. وفرق ما بين المسلم والمؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمنا بأن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر، فاذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما، وإذا فعل ذلك بالظاهر والباطن بخضوع وتقرب بعلم كان مؤمنا، فقد يكون العبد مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا إلا وهو مسلم. ثم قال: وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات: الكفر، والشرك، والضلال، والفسق، وركوب الكبائر، فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد والانكار والاستخفاف والتهاون في كل ما دق وجل، وفاعله كافر، ومعناه معنى كفر، من أي مله كان ومن أي فرقة كان، بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات، فهو كافر. ومعنى الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين، فهو مشرك صغيرة كانت المعصية أو كبيرة ففاعلها مشرك. ومعنى الضلال الجهل بالمفروض وهو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الإيمان إلا بها، بعد ورود البيان فيها، والاحتجاج بها، فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الانكار، والتدين بانكارها وجحودها، ولكن يكون تاركا على جهة التواني والاغفال والاشتغال بغيرها فهو ضال متنكب طريق الإيمان، جاهل به خارج منه مستوجب لاسم الضلالة ومعناها، مادام بصفته التي وصفناه بها. فان كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود والاستخفاف والتهاون كفر، وإن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الاباء والاسلاف فقد أشرك وقل ما يلبث الانسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته. ومعنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فيها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب، فهو فسق، وفاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق، فان دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف، فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافرا. ومعنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه، فهو أن يكون منهمكا على كبائر المعاصي بغير الجحود ولا التدين ولا لذة ولا شهوة، ولكن من جهة الحمية والغضب يكثر القرف والسب والقتل وأخذ الأموال وحبس الحقوق وغير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة، ومن ذلك الإيمان الكاذبة وأخذ الربا وغير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ: الخمر والزنا واللهو ففاعل هذه الافعال كلها مفسد للإيمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة، غير مشرك، ولا كافر، ولا ضال جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة، فان هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين، كان من صفاته).
وعن درجات سلم الايمان يقول الدكتور أبو لحية في كتابه: عن عبد العزيز قال: دخلت على الإمام الصادق: فذكرت له شيئا من أمر الشيعة ومن أقاويلهم فقال: (يا عبد العزيز الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، له عشر مراقي، وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية: لست على شيء، ولايقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة: لست على شيء ـ حتى انتهى إلى العاشرة ـ ثم قال: (وكان سلمان في العاشرة وأبوذر في التاسعة والمقداد في الثامنة، يا عبد العزيز لاتسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعا رفيقا فافعل، ولاتحملن عليه مالا يطيقه فتكسره، فانه من كسر مؤمنا فعليه جبره، لانك إذا ذهبت تحمل الفصيل حمل البازل فسخته). الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه، والبازل اسم البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه. قال الإمام الصادق:(المؤمنون على سبع درجات: صاحب درجة منهم في مزيد من الله عز وجل لايخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة غيره، ومنهم شهداءالله على خلقه، ومنهم النجباء، ومنهم الممتحنة، ومنهم النجداء، ومنهم أهل الصبر ومنهم أهل التقوى، ومنهم أهل المغفرة).
وعن أسهم الاسلام يقول الدكتور نور الدين أبو ريشة: عن عمار بن أبي الاحوص قال: قلت للإمام الصادق: إن عندنا أقواما يقولون بالإمام علي ويفضلونه على الناس كلهم، وليس يصفون مانصف من فضلكم أنت ولاهم؟ فقال لي: (نعم، في الجملة، أليس عندالله ما لم يكن عند رسول الله، ولرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من عندالله ما ليس لنا، وعندنا ما ليس عندكم، وعندكم ماليس عند غيركم؟ إن الله تبارك وتعالى وضع الإسلام على سبعة أسهم: على الصبر والصدق، واليقين، والرضا، والوفاء، والعلم، والحلم، ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم، فهو كامل الإيمان محتمل، ثم قسم لبعض الناس السهم، ولبعض السهمين، ولبعض الثلاثة الاسهم، ولبعض الأربعة الاسهم، ولبعض الخمسة الاسهم، ولبعض الستة الاسهم، ولبعض السبعة الاسهم.. فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين، ولا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم ولا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم، ولا على صاحب الأربعة خمسة أسهم، ولا على صاحب الخمسة ستة أسهم، ولا على صاحب الستة سبعة أسهم، فتثقلوهم وتنفروهم، ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل. وسأضرب لك مثلا تعتبر به، إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر، وكان الكافر يرفق المؤمن فأحب المؤمن للكافر الإسلام، ولم يزل يزين له الإسلام ويحببه إلى الكافر حتى أسلم، فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة، فلما صلى قال له: لو قعدنا نذكرالله عز وجل حتى تطلع الشمس، فقعد معه، فقال: لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل، فقعد معه وصام حتى صلى الظهر والعصر، فقال: لوصبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الآخرة كان أفضل، فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الآخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده، وحمل عليه مالا يطيق، فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد به مثل ما صنع بالامس، فدق عليه بابه، ثم قال له: اخرج حتى نذهب إلى المسجد، فأجاب أن انصرف عني فان هذا دين شديد لا اطيقه. فلاتخرقوا بهم، أما علمت أن إمارة بني امية كانت بالسيف، والعسف والجور، وأن إمامتنا بالرفق، والتألف، والوقار، والتقية، وحسن الخلطة والورع، والاجتهاد، فرغبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه.