إقصاء القروي : قراءة في الهرميات الثقافية لمدينة الشطرة

عدنان طعمة

الصراع بين ثقافة اهالي العاصمة بغداد وثقافة المحافظات، وبين الأخيرة وأقضيتها وصولًا إلى القرى، يعكس تعقيد التكوين الاجتماعي وامتزاجه بطبقات من التمييز والاقصاء الثقافي والاجتماعي. هذا الصراع ليس جديدا، بل يرتكز على بنى معرفية وإبستمولوجية تنظر إلى الآخر بوصفه “الآخر الثقافي”، وهو مفهوم ناقشه إدوارد سعيد في سياق “الاستشراق”، إذ تتشكل هويات من خلال التباين مع الآخر المختلف.. علما ان اشكالية الهويات موضوع اطروحتي في الدكتوراة..

المثل الشعبي في مدينة الشطرة “القروي كل شيء يصير بس أدمي ما يصير” يظهر نزعة إقصائية تُبرز المركزية الثقافية للمجتمع الحضري مقارنة بالقرية، وهو صدى لأطروحات بيير بورديو حول “رأس المال الثقافي”، إذ يتم تصنيف الأفراد وفقا لمعايير يضعها المركز، فيتحول القروي إلى موضوع للتهميش.

هذا الصراع بين مدينة الشطرة المركز والاطراف من أهالي القرى والأرياف، ينطوي على انقسام معرفي يُظهر التحيز القائم على السياق الجغرافي، إذ يرى بعض الباحثين الإبستمولوجيين مثل ميشيل فوكو أن السلطة تنتج خطابا يكرّس هذه الفروقات ويحولها إلى أدوات للهيمنة. فالقرية، في عين المدينة، تمثل الطبيعة أو البداوة، أو التقاليد القبلية المتعجرفة بينما يرى القروي نفسه ضحية نظرة مشروطة لا تعترف بإنسانيته الكاملة، كما يظهر في المثل الإقصائي.

هذا الاقصاء العنصري يعبر عن التباين في المعايير المعرفية والقيمية، وهو ما يُفهم من منظور هابرماس كمأزق تواصلي، إذ يُقصي خطاب المركز الأطراف بدلًا من إقامة حوار معها. بالتالي، يمكن فهم الصراع على أنه نتيجة تفاعل غير متكافئ بين الأنماط الثقافية، إذ يُستبعد المختلف بدلا من استيعابه..

قد يكون احد اسبابه شعور اهالي مدينة الشطرة الأصل بتهميشهم وسيطرة اهالي القرى والأرياف على المدينة ونزوح اهل القرى الى المدينة اليها وسيطرتهم ثقافيا عن طريق هيمنة القيم القبلية..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *