نوفمبر 22, 2024
557663Image1 (1)

اسم الكاتب : رياض سعد

بادئ ذي بدء , اقولها وللمرة الالف : ان مصر وباقي الدول العربية والاسلامية تربطنا بهم اواصر اللغة والثقافة والدين والتاريخ المشترك ؛ فهم اخوة لنا واشقاء , ويشهدُ الله أني لا أحملُ ذرة ضغينةٍ تجاه اي مواطن عربي او مسلم او غيرهما ؛ لأنني نشأت في بلاد الرافدين , بلاد الانسانية ومكارم الاخلاق والغيرة والجود والحمية … ؛ ومن جذور رافدينية عربية ضاربة في القدم … ؛ ومن البين  ان  الشعوب  لا تتحمل وزر الحكومات وقراراتها  السياسية تجاه هذا البلد او ذاك ؛ وكذلك لا يخلو شعب من شرفاء وغيرهم , فعندما اذكر المصريين او الفلسطينيين او الاردنيين او السعوديين او الايرانيين … الخ ؛  بسوء فاني اقصد المنكوسين منهم فحسب .

الا ان الحق يقال : فمصر تبقى  للمصريين وايران للإيرانيين والسعودية للسعوديين وتركيا للأتراك … الخ ؛ وهذه الحقيقة لا يجادل فيها احد … ؛ فلماذا عندما يصل الامر الى العراق والامة العراقية ؛ تنقلب الموازين وتتبدل القناعات وتغيب  الحكمة  والاستراتيجيات …؟!

ان  ما يحدث بين ظهرانينا اليوم ؛ يدعو للقلق , فالعراق كان ولا يزال بلد الغرباء والدخلاء والاجانب  , والجاليات غير العراقية , ومنذ مجيء الاحتلال العثماني ثم البريطاني ثم تأسيس الحكومات الهجينة في العراق والى يومنا الحاضر , امتلئت بلاد الرافدين بالغرباء والاجانب والدخلاء ؛ بحجة التجنيس واعطاء الهوية العراقية لهم ؛ مما اثر سلبا على واقع العراقيين الاصلاء وفي مختلف الاصعدة والمجالات ؛ حتى تحكم الاجانب والغرباء والدخلاء بالعراق والعراقيين والقرار السياسي ؛ بحجة الاسلام تارة  , والمذهب تارة اخرى ,  والقومية العربية او الكردية ثالثة , او غيرها من الذرائع المنكوسة ؛  والحجج الباطلة التي لا تطبق في اية دولة في العالم ولا يقبل بها اي شعب واعي من الشعوب الحية .

أينما تولي وجهك تجد  الاجانب والغرباء والدخلاء في ارضك يسرحون ويمرحون ويشفطون الاموال الوطنية ويتنعمون بالثروات والخيرات العراقية وتحت رعاية الحكومة والقانون ؛ بدءا من الروس والصينيين والبريطانيين والامريكيين و الايرانيين والاتراك واللبنانيين واليمنيين والمصريين والسوريين … ؛ وانتهاءا  بالبنغلادشيين والهنود والافغان والباكستانيين والافارقة … الخ … ؛ بينما يعاني العراقيون من البطالة والفقر وانعدام الفرص والتعيين والتوظيف في القطاع العام والخاص , والضياع والفراغ والشتات وهجرة العقول والطاقات الشبابية الى الخارج , وتعطيل الطاقات والموارد البشرية الوطنية , وانتشار الظواهر السلبية المدمرة كالمخدرات وغيرها .

لم تكتف مصر بالاستفادة من الاف الطلبة العراقيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية , وغيرهم من العراقيين الاغنياء الذين وضفوا اموالهم في الاستثمارات هناك ؛ خدمة للاقتصاد المصري … ؛ اذ راحت ترسل لنا مئات الاساتذة والكوادر التعليمية ؛ لنهب ما تبقى من المال العراقي السائب … ؛ فالجامعات والكليات الاهلية في العراق ولاسيما بغداد ؛ اغلب كوادها واساتذتها في مجالي العلوم السياسية والقانون  – وغيرهما ولكن بصورة اقل – من الاخوة المصريين , واليكم بعض الامتيازات التي يتمتعون بها على حساب العراق والعراقيين ؛ اذ توفر لهم الجامعات العراقية الاهلية ؛ السكن المريح واللائق مع مستلزمات المعيشة الكريمة الاخرى ؛ كالأكل والشرب والدواء والكهرباء والماء … الخ ؛ بالإضافة الى حصولهم على رواتب شهرية مجزية تتراوح من ثلاثة ملايين دينار شهريا ؛ فصاعدا … ؛ والبعض قال : ان هذا الامر مفروض علينا من الامريكان لمساعدة الاقتصاد المصري … !!

وفي عام 2020 عقد الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري ، اجتماعًا مع الدكتور نبيل كاظم وزير التعليم العالي العراقي ،  عبر تقنية الفيديو كونفرانس ، بحضور الدكتورة رشا كمال القائم بعمل رئيس الإدارة المركزية لشؤون الطلاب الوافدين ، والدكتور حازم باقر طاهر مدير إدارة البعثات في وزارة التعليم العالي العراقي … ؛ و طلب الجانب العراقي تسهيل مهمة الأساتذة المصريين للتدريس في الجامعات العراقية، مشيدًا بتميزهم العلمي والثقافي والذي تحتاجه الجامعات العراقية؛ لتبادل الخبرات وتعزيز العلاقات العلمية والأكاديمية والبحثية … ؛ بل ووجه وزير التعليم العراقي الدعوة لإنشاء جامعة مصرية في العراق، لاسيما وأن ذلك سيعمل على جذب الطلاب العراقيين للدراسة في جامعة مصرية على أرض عراقية، ووعد الدكتور خالد عبدالغفار المصري  بتشكيل لجنة لدراسة هذا المقترح على الفور … ؛ وأكد الطرفان على أهمية الشراكة في المراكز البحثية المصرية، حيث وافق الجانب المصري على طلب الجانب العراقي بشأن قيام طلاب الماجستير والدكتوراه بالدراسة في المراكز البحثية والتدريب فيها بشكل عملي، بدلاً من الدراسة في الجامعات فقط …!!

وعلى الرغم من كل هذه الاتفاقيات التي تصب في صالح الجانب المصري ؛ وهذه التنازلات ؛ تعرض الطلاب العراقيون في مصر الى شتى المضايقات والتهديدات , مما اضطر بعض الصحف والمواقع الاعلامية الى رفع عناوين استغاثة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : ((طلاب عراقيون في الجامعات المصرية يشكون ترحيلهم وتهديد مستقبلهم الدراسي ودعوات نيابية للتدخل  )) .

فقد تحدث طالب دراسات عليا يدرس الماجستير في مصر، عن تعرضه للتوقيف وعرضه على النيابة العامة وصدور قرار بترحيله الأمر الذي قد يحرمه من إكمال دراسته، وانتقد في الوقت ذاته ما أسماه “تقاعس” السفارة العراقية في القاهرة عن مساعدتهم”، بدورها أكدت لجنة التعليم النيابية ضرورة تدخل الحكومة العراقية لمعالجة هذه المشكلة وفق الآليات المتاحة.

و مصطفى حسام عبدالله، طالب ماجستير في القانون العام بجامعة الإسكندرية على النفقة الخاصة ويقول : إنه يواجه مع طلاب آخرين سواء المبتعثين منهم (النفقة العامة) أو النفقة الخاصة، مشكلةً في الإقامة رغم التحاقه بالجامعة بشكل  رسمي ,  وفتح ملف له في السفارة، مبيناً أن الكلية تزود الطالب بكتاب يثبت مباشرته من أجل فتح ملف له في السفارة العراقية للحصول على تصريح أمني بـ “ختم المثلث” على الجواز من قبل دائرة الجوازات التابعة لوزارة الداخلية المصرية، ويسري لثلاثة أشهر فقط ، في حين يحتاج صدور التصريح لـ 8  إلى 9 أشهر … ؛ وأضاف أن ضابطاً خلال دورية أمنية في منطقة سموحة بالإسكندرية طلب منه ؛ تقديم وثيقة الإقامة “لكن لأننا لا نملك هذه الوثيقة لاستحالة ذلك نظراً للإجراءات التعجيزية وهذا أيضاً يحرمنا من القيام ببعض الإجراءات ومنها عمليات الحوالة المالية …  ، قام الضابط باقتيادي إلى مركز الشرطة وأخذ كل ما بحوزتي من مبلغ مالي وبطاقات هوية وهاتف”، كما تم التحقيق معه من قبل المباحث قبل عرضه على النيابة العامة، ومن ثم دائرة الأمن الوطني التابعة للجوازات التي قضت بترحيله من مصر خلال أيام ودفع غرامة بـ3700 جنيه (نحو 200 دولار)، وتحديد 9 كانون الثاني – من عام 2021-  آخر موعد لمغادرته البلاد وإلا سيواجه عقوبة السجن …!!

وعن تجربته، أشار مصطفى إلى أنه قبع في السجن مع “المجرمين والقتلة وتجار المخدرات لسبعة أيام ، فيما لم تتدخل السفارة العراقية في القاهرة للقيام بوظيفتها في حمايتي والدفاع عني رغم علمها بذلك في حين كان المركز يشترط مراجعة موظف من السفارة العراقية قبل إطلاق سراحي، وهذا ما جعل رئيس المباحث يتعاطف معي وقال لي حرفياً  : إن حكومة بلادك لم تقم بشيء لمساعدتك ، مبيناً أن الجامعات المحلية  لا تتدخل عادة في منع ترحيل طلابها الأجانب “وهذا أمر طبيعي”…!!

وبعدما خرج من التوقيف بشرط مغادرته مصر، كتب مصطفى منشوراً عبر صفحة تجمُّع الطلبة في ( الفيسبوك )  ينتقد السفارة العراقية ، وسرعان ما تلقى اتصالاً  , لمقابلة  السفير العراقي لعرض مشكلته ، ويضيف : “ذهبت في الموعد المحدد لكن لم يسمح لي بمقابلة السفير، بل قام موظفو مكتبه بتوبيخي بزعم أنني أسأت للسفارة” … ، لافتاً إلى أنه الآن في بغداد ويعتزم رفع دعوى قضائية على السفير العراقي في مصر بدعم من نقيب المحامين ؛ على تقصيره وما تسبب ذلك بخسائر مادية ومعنوية ، كما أن الامتحانات في جامعتي ستبدأ … ؛  وإذا لم أستطع الحضور فإن هذا سيقضي على مستقبلي الدراسي، لذا أناشد جميع الجهات المعنية بمساعدتي …!!

إلى ذلك، أشار عضو لجنة التعليم العالي والبحث العلمي في البرلمان، محمد شاكر إلى أن :  “ما حصل غير مقبول ولا بد من تدخل عاجل من وزارة الخارجية والسفارة العراقية في مصر، لأن الطالب الأجنبي حينما يحصل على موافقة الدراسة في جامعة دولة أخرى وفق الضوابط اللازمة فعلى تلك الدولة أن تضع في الاعتبار إقامة الطالب طوال مدة الدراسة وتسهيل الإجراءات حتى يحصل على الشهادة التعليمية”… ؛ ومضى شاكر بالقول : “من واجب السفارة العراقية الدفاع عن المواطنين وكذلك أن تأخذ وزارة الخارجية والحكومة العراقية على عاتقها هذه المسؤولية، خاصة مع وجود الاتفاقيات السارية بين مصر والعراق”.

يأتي هذا في الوقت الذي وقع فيه العراق ومصر، في 10 كانون الأول 2020، اتفاقا تنفيذياً للتعاون العلمي والثقافي في مجال التعليم العالي للسنوات (2020-2023) …!!

اما كان الاولى بالحكومات العراقية ؛ الاستعانة بالخبرات والكفاءات العراقية في مجالي العلوم السياسية والقانون وغيرهما ؛ من الذين يدرسون في ارقى الجامعات العالمية والعربية في الخارج او الاستفادة من اصحاب الشهادات العليا في الداخل …؟!

وهذه الخطوة توفر للعراق الاموال الطائلة , وتمنع من خروج العملة الصعبة الى الدول الاخرى , وتساهم في القضاء على البطالة وتوفير فرص العمل اللائقة والكريمة , وتنمية الطاقات البشرية العراقية ورفدها بالخبرات والكفاءات الوطنية ؛ كي تستغني فيما بعد عن الخبرات والكفاءات الاجنبية , ولا ترهن مستقبل العراق والعراقيين بالآخرين ؛ لان هذه الاجراءات تسبب ثغرات في الامن الوطني  , وتنعكس سلبا على الواقع العراقي .

وهذا لا يعني انني انكر الكفاءات والخبرات المصرية ؛ ولا ادعي ان هذه المشاكل محصورة في الجانب المصري فقط ؛ فما يقال في جامعات مصر ؛ ينطبق على جامعات الدول الاخرى ايضا ؛ ولكن تتفاوت النسب والمضايقات والاجراءات القانونية بين دولة واخرى … ؛ ولو ثنيت لي الوسادة ؛ لأغلقت هذا الباب اصلا ؛ وحصرت الدراسة في الجامعات العراقية , وفي الضرورات القصوى ؛ نرسل الطلبة العراقيين الى ارقى الجامعات العالمية حصرا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *