كامل سلمان
نحن مجتمع الوجه الواحد ، عندما ينقل أحدهم لنا صورة عن سلوكية شخص سنقتنع به ومن ثم نحكم على الشخص الذي سمعنا عنه تلك المعلومة لأننا اقتنعنا بطريقة وأسلوب الناقل فأكتفينا بأنها الحقيقة الناصعة لأننا نفهم كل شيء كما نظن ، فإذا تحدث أحدهم عن شخصية تأريخية سينقل لنا صورة من جهة واحدة وهذه الصورة تصبح ثابتة في اذهاننا فلا جدال ولا نقاش ، لاحظت في بعض المجتمعات المتطورة معظم أفرادها لا يأخذون بالوجه الواحد كالقاضي لا يحكم إلا بعد سماع وجهة نظر الطرف الأخر أو التحري عن الحقيقة ، كل مصادرنا التأريخية تمجد وتشيد بأشخاص وتحّقر اشخاصاً أخرين ونحن على أثارهم مؤمنين بما نقلوا لنا والسبب أولاً لأننا لا نملك المعلومات عن الطرف الذي تم تحقيره لأن المصادر منعت عنا ذلك والثاني لأن تربيتنا الاجتماعية أحادية الجانب ونثق باللسان المعسول ، لذلك نصدق ما نقل لنا ونبني على تصديقنا حكمنا ومن ثم معتقدنا ، مثلاً قبل أيام كنت أقرأ عن شخصية البطل الثوري ( تشي جيفارا ) فقد تشبعت أفكارنا منذ مرحلة الطفولة عن هذا المناضل الثوري العظيم المعادي للأمبريالية وكيف ساهم في نجاح الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو وكيف استطاع الوقوف بوجه أمريكا لكن في قصة حياته هناك مفارقات غريبة تعطي صورة مختلفة تماماً عن هذه الشخصية ، السؤال من الذي أوصل الينا هذه الصورة الناصعة للطبيب الثوري الأرجنتيني الأصل جيفارا ولماذا أخفوا عنا شخصيته الحقيقية ، لقد راجعت عدة مصادر مؤيدة لهذه الشخصية فوجدتها تعترف بالوجه الثاني لشخصية جيفارا منها أنه كان يتلقى الدعم المالي من المخابرات الأمريكية ، بأختصار ثلاثة معلومات كل من يطّلع عليها عن هذه الشخصية يشمئز من هذا الوحش الذي نسميه بالثوري ، المعلومة الأولى كان يغتصب أية أمرأة تعجبه خلال مراحل الثورة الكوبية حيث يقود مليشيا دموية مسلحة وكانت مدينة سانتاكلارا الكوبية اكبر شاهد على وحشيته الجنسية ، المعلومة الثانية قام بيده قتل الآلاف من الموظفين والضباط والجنود من النظام السابق لفيدل كاسترو ذنبهم فقط أنهم كانوا يعملون ضمن دوائر الدولة أو في الجيش أو المؤسسات الحكومية لنظام باتستا قبل السقوط ، المعلومة الثالثة كان جيفارا يذهب متخفياً إلى بعض دول أمريكا اللاتينية لتأسيس مليشيات مسلحة ضد حكومات تلك الدول بحجة تصدير الثورة . هذه المعلومات لم تصل بين أيدينا إنما الذي وصل الينا عظمة هذا القائد الثوري الذي تحدى الأمبريالية .. هذا مجرد نموذج صغير لما تم به غسل أدمغتنا وينطبق هذا النموذج على جميع رجالات التأريخ وحتى الحاضر .. ليس اللوم على من ينقل المعلومة لكن اللوم على من يصدق المعلومة . الأن في مجتمعنا لو أجتمع ثلاثة أو أربعة أشخاص داخل السوق وقاموا بضرب شخص معين وهم يصرخون إرهابي إرهابي ستجد المئات تلتف حولهم بضرب هذا المسكين وقد يموت تحت أيديهم لأنهم سمعوا وصدّقوا دون أن يتأكدوا ، أين الدليل ؟ لا يوجد . . أنا لا أتحدث فقط عن الناس في مجتمعاتنا بل حتى دوائرنا الأمنية تعتقل وتعذب من تنقل عنه معلومات مضلله قد تودي بحياة هذا المعتقل تحت التعذيب دون التأكد من صحة المعلومة وينجو ناقل المعلومة المضللة لأنه منتسب أو لأنه صاحب سلطة أو لأنه من طرف موالي ، هذه كارثة نعيش مغفلين غير مدركين لما يدور حولنا . جميع المعلومات التأريخية المنقولة إلينا لا تخلو من التضليل والمحاباة لكنها ترسخت وأصبحت معتمدة تأريخياً والناس لا حول ولا قوة لهم في تصديق المعلومة . من أكبر علامات المجتمع الجاهل تصديقه للمعلومة من طرف واحد ، فلو أتُيحت لنا الفرصة بالاطلاع على المعلومات النقيضة لجميع الأحداث التأريخية سنصاب بالصدمة وسنلعن اليوم الذي شاءت الأقدار فيه أن نكون جزءاً من عقلية هذه المجتمعات المغفلة . فهل نحن قادرون على التحقق من كل معلومة تصلنا من خلال البحث عن النقيض قبل أن نجزم بالحكم أو على الأقل عدم اعتماد المعلومة التي تصل ألينا حتى تتكشف لنا الحقيقة الكاملة كما هو الحال في المجتمعات المتحضرة التي لا تبني موقفاً على الرأي مهما كان دقيقاً حتى تتأكد من الجهة الأخرى ؟ أم أننا سنبقى ضحية أفكار زقت بعقولنا دون معرفة حقيقتها ؟ . بالمختصر المفيد عندما نقرأ في كتب التأريخ عن أحد الناقلين للمعلومة التأريخية بأنه ( من الثقات ) فلنكن على يقين بأننا أمام واحد من رأس البلاء !