مرآة الصوت الباطني

رياض سعد

إنَّ الإنسان، في رحلته بين ظلال الوعي وأنواره، لا يبدأ بفهم العالم إلا حين يجرؤ على الإصغاء إلى الهمس الخفي المتكوّن في أعماقه؛ ذلك الصوت الذي يشبه نَفَسًا أوليًّا يتشكّل قبل أن يتخذ هيئة الكلمات… ؛  فالكلمة التي يولدها القلب قبل اللسان هي البوابة الأولى لفهم الوجود، أمّا من يمضي في دروب الحياة وهو لا يسمع صدى ذاته، ولا يدرك ما قال وما يقول، فإنّه يعبر بين الأصوات كالذي يمرّ أمام مرايا مطفأة، يرى الشفاه تتحرّك ولا يرى المعنى.

إنّ الإصغاء للنفس ليس عادةً لغوية، بل تمرينٌ روحيٌّ يتطلّب شجاعة مواجهة الذات… ؛  فحين يقف الإنسان على ضفاف أفكاره، ينظر إلى تموجاتها، يوازنها قبل أن يُطلقها في الهواء، يصبح سمعه الداخلي كالبوصلة التي تهديه إلى منطق الآخرين، ويحوّل ضجيج العالم إلى موسيقى قابلة للفهم… ؛  ومن أدرك معانيه المستترة، وأحسن وزن كلامه قبل النطق به وبعده، انفتحت له أبواب الإصغاء للآخرين بلا عناء، كأنّ لغة الكون كلها تنساب إلى قلبه من غير مقاومة.

أمّا من أعرض عن حديث نفسه، ومن تجاهل النداء الذي ينبعث من داخله، فهو أشدُّ إعراضًا عن سماع الآخرين، لأنّ الأذن التي لا تُصغي لجذرها لا يمكن أن تلتقط ثمار المعنى في الخارج… ؛  إنّ الروح التي لا تعرف نغمتها الأولى، تظلُّ تائهة في صخب الأصوات، تتعثّر بتفاصيل الكلام ولا تمسّ جوهره.

هكذا، يصبح الإصغاء للنفس فعلًا صوفيًّا يقود إلى الإصغاء للعالم، ويغدو فهم الذات بوابة لفهم الآخر، وكأنّ الحقيقة تقول لنا همسًا: “لن تسمع الكون ما لم تُصغِ إلى نفسك أولًا، ولن تفهم الآخرين ما لم تفهم الكلمات التي تنبت في عمقك.”