نوفمبر 21, 2024
555

اسم الكاتب : ثامر عباس

كنا في موضوع سابق قد طرحنا قضية (الانحطاط) في المستوى العلمي الذي تسببت به – ولا تزال – الجامعات الأهلية ، جراء الفوضى في اختيار وتفضيل الطلبة لأنواع التخصصات العلمية والإنسانية المرغوبة ، دون الأخذ بنظر الاعتبار مستوى نتائجهم الامتحانية (الدرجات) الفعلية – وليست الإضافية – التي تحصّلوا عليها في الاختبارات العامة من جهة ، والتسيب في مراعاة الشروط والضوابط التي أفضت بالتعليم الجامعي (الأهلي) الى مجرد مؤسسة شكلية لمنح الشهادات (العليا) لأولئك الباحثين عن الارتزاق الوظيفي والتبجح الاستعراضي من جهة أخرى .

واليوم نعود ، مرة أخرى ، لطرح قضية مرتبطة بالأولى ومتمخضة عنها ومترتبة عليها ، نعتقد أنها لا تقل عن سابقتها خطورة – ان لم تكن أخطر – من منظور العواقب الناجمة عنها حاضرا”والمتوقع حصولها مستقبلا”في المضامير العلمية والفكرية والحضارية ، ناهيك عن المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية . وهي تلك التي ترتبط بآليات (تدوير) وإعادة تكوين أصحاب الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) ممن يتسمون بتدني مستوايتهم العلمية وتخلف حصيلتهم المعرفية وتردي عدتهم اللغوية ، هذا بالإضافة الى تجاوز اعتبارهم (أساتذة) جامعيين يعول عليهم تربية الأجيال الجديدة من الطلبة حديثي العهد بالأفكار والنظريات والمناهج الحديثة ، رغم ثبوت فشلهم وتأكيد عجزهم في تخطي مواريث أنساق ثقافاتهم الفرعية وأنماط مرجعياتهم الأولية .

ولما كانت عبارة (الفساد الأكاديمي) تبدو غريبة بعض الشيء وغير مألوفة التداول في متون الأدب الصحفي والإعلامي ، كما ألفنا التعاطي مع عبارات (الفساد السياسي) و(الفساد المالي) و(الفساد الإداري) و(الفساد الأخلاقي) .. الخ . إلاّ أنها باتت مفردة مناسبة ومعبرة عن واقع التعليم الأهلي الجامعي في العراق ، من حيث واقعية وصفها ودقة مدلولها فيما آلت مستويات استشراء الفساد في هذا المضمار الحيوي والخطير . ففي الوقت الذي لم تكتفي فيه جراثيم هذا الوباء من غزو ميادين السياسة والاقتصاد والقانون والاجتماع والدين ، وإنما طالت وتجاسرت على اقتحام حصون العلم والتعليم والمعرفة والثقافة والوعي كذلك ، بحيث استحالت وظيفة هذه الجامعات / الشركات الى وسيلة فاعلة من وسائل (مأسسة) الترهل الفكري والجهل المعرفي في الأوساط الجامعية والأكاديمية على نحو لافت .

ولعل ما يشير الى خطورة هذه الظاهرة المدمرة ، كون عواقبها لا تقتصر فقط على (تخريج) جيوش من الطلبة (الأميين) الذين يفتقرون لأف باء المعارف الاجتماعية والإنسانية الحديثة فحسب ، وإنما – وهنا مكمن الخطورة بنظرنا – المساهمة في إنتاج وإعادة إنتاج جمهور أكاديمي (جاهل) لا يني حجمه يتسع ويتضخم على حساب نوعيته ، ممن حصلوا على شهاداتهم (العليا) بطرق ملتوية وأساليب مريبة ؛ سواء عن طريق (شراء) الأطروحات الجامعية الجاهزة من المكاتب التجارية المتخصصة في هذا المجال ، أو عبر سبل (انتحالها) و(سرقتها) من منصات التواصل الاجتماعي التي لا تبخل مواقعها العديدة والمتنوعة في تقديم كل ما يرغبه الطالب ويشتهيه من بحوث ودراسات في شتى الميادين والمجالات .

وبضوء ما تقدم ، لم يعد خافيا”على أحد حجم وطبيعة الكوارث والفواجع التي باتت نذرها تلوح في أفق المستقبل الحضاري للعراق ، جراء الدور التخريبي الذي لا تفتأ تسهيلات ومغريات التعليم (الأهلي العالي) تمارسها في إطار إشاعة الجهل العلمي وتعميم الأمية المعرفية ، ليس فقط على صعيد رفد المؤسسات البيداغوجية الرسمية / الحكومية بنماذج من حملة الشهادات الجامعية ، ممن لا هم لهم سوى الحصول على وظيفة مجزية أو ارتقاء منصب مغري فحسب ، بل وكذلك على مستوى بيوتات (جامعات) التجهيل والتضليل الأهلية ، لاسيما في مجال شرعنة ظاهرة تدوير (نفايات) وإعادة إنتاج (أساتذة) لا تعدو حصيلتهم من العلوم الاجتماعية والمعارف الإنسانية والمناهج التحليلية ، سوى القشور من الأفكار والنظريات المبتسرة ! .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *